بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجه الثالث عشرمن سورة النساء
يقول الله تعالى :
( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) )
{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } أي : أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار ,
{ مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ } أي : لم يفعله إلا القليل منهم والنادر فليحمدوا ربهم وليشكروه على هذا التيسير لما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد وفي هذا إشارةإلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ماهو فيه من المكروهات لتخُف عليه العبادات ويزداد حمداً وشكراً لربه .
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي : لوفعلوا ما يوعظون به أي ماوظّفهم الله عز وجل عليه في كل وقت بحسبه فبذلوا هِمَههُم ووفروا أنفسهم للقيام به وتكميله ولم تطمح نفوسهم لما لم يصِلوا إليه ولم يكونوا بصدده وهذا هو الذي ينبغي للعبد أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكمّلها ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى ماقُدّر له من العلم والعمل بأمر الدين والدنيا .
{لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } اي : لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أُمروا بها خلاص الخيرية في الدنياوالأخرة ,
الصفة الثانية حصول التثبيت والثبات وزيادته , فإن الله يثبت الذين أمنوا بسبب ماقاموا به من الإيمان الذي هو القيام بما وعِظوا به فيثبتهم في الحياة الدنيا وعند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب يحصل لهم ثبات يوفقون فيها لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها .. إذن من الذي يُوَفقَ؟
يوفّق الذي يحترم الفرائض , الذي يحترم الواجبات , الذي يحترم الحقوق
هو الذي يوفق ..
(وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا )
أي : في العاجل والآجل يكون في الروح والقلب والإيمان والنعيم المقيم ممالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،
كذلك يحصل الأمرالرابع , الهداية إلى الصراط المستقيم .
من يريد الهداية يسعى إلى الهداية .فيحصل له شرف الهداية للصراط المستقيم مع كونه متضمن للعلم بالحق ومحبته وإيثاره به والعمل به وتوقف السعادة والفلاح على ذلك .
ثم يقول الله تعالى :
( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا )
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ } : هذه مقدمة لمن يطع الله والرسول فالآية السابقة هي مقدمة لهذه الآية العظيمة , فهي آية تحفيزية , آيه ترفع الهمم , آية تشحذ الهمم .
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ } أي : كل من أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر أو أنثى أو كبيرأو صغير فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة من النبيين الذين فضّلهم الله بوحيه وأختصهم بتفضيله بإرسالهم إلى الخلق ودعوتهم إلى الله تعالى.
{وَالصِّدِّيقِينَ } وهم الذين كمل تصديقهم بماجاءت به الرسل فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم وبالقيام به قولاً وعملاً وحالاً ودعوةً الى الله تعالى.
{ وَالشُّهَدَاءِ } الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فقُتِلوا .
{ وَالصَّالِحِينَ }الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم فكل من أطاع الله تعالى كان من هؤلاء في صحبتهم .
{ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } أي : بالاجتماع بهم في جنات النعيم والأُنس بقربهم في جِوار ربِ العالمين.
( ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً ) (70).
{ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ } فالله هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه وأعطاهم من الثواب مالا تبلغه أعمالهم .
{ وَكَفى بِاللَّهِ عَليمًا } أي : يعلم أحوال عباده يعلم من يستحق أن يرتفع إلى المعالي بالثواب , يعلم سبحانه بماقام به من الأعمال الصالحة التى تواطئ عليها القلب والجوارح .
ثم قال تعالى
( يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا خُذُوْا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوْا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوْا جَمِيْعًا ) (71)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا خُذُوْا حِذْرَكُمْ } يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من الأعداء ومايشتمل الأخذ بجميع الأسباب التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم و قوتهم من استعمال الحصون والخنادق وتعلم الرمي والركوب وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك ومابه يُعرف مداخلهم ومخارجهم ومكرهم والنفير في سبيل الله .
{فَانْفِرُوْا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوْا جَمِيْعًا } أي : متفرقين بأن تنفر سريّة أوجيش ويقيم غيرهم أو انفروا جميعا وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية يعني من الذي يحدد هذا المصلحة والنكاية وراحة المسلمين
(وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا ) (72)
{ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } أي : أيها المؤمنون منكم من يتثاقل عن الأعمال الصالحة من يتثاقل عن الفروض-أعوذ بالله-من يؤخرصلاة الفجر, من يتثاقل عن الصلوات ,
بطيئ بتقديم الأعمال الصالحة يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ضعفاً وخوراً وجبناً ,
ثقيل يتثاقل الأعمال الصالحة , يتثاقل الأعمال التي يقدمها يظن أن السنن التي يفعلها أفضل من الفرائض التي يقدمها لله عزوجل مع إن الفرائض من أمر بها هو الله سبحانه جل وعلا , أما السنن فأمر بها محمد صلى الله عليه وسلم , ولا شك بمكانة محمد صلى الله عليه وسلم لكن ليس هي أعظم من مكانة الخالق البارئ المدبر المالك المتصرف سبحانه جل وعلا.
{ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ } أي : هزيمة قتل ظفر الأعداء عليكم في بعض الأحوال ,قال هذا المنافق أو ضعيف الإيمان :
{ قدأَنعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذ لَم أَكُن مَعَهُم شَهيدًا} أي يحمد الله انه لم يذهب معهم حتى لايقتل , يرا ذلك من ضعف عقله وإيمانه وأن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة ولم يدري أن النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة التي بها يقوى الإيمان ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضى الكريم الوهاب وأما القعود فإنه وإن إستراح قليلاً فإنه يعقبه تعب طويل وآلامٌ عظيمة ويفوته مايحصل للمجاهدين .
(وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ) (73)
{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ} أي : نصر وغنيمة
{لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } أي إن الكفار من المشركين والمنافقين قد قطع الله بينهم وبين المؤمنين المودة فإن هذا هوالواقع فإن المؤمنين على قسمين مؤمن صادق إيمان أوجب له ذلك كمال التصديق والجهاد , و منهم ضعفاء دخلوا بالاسلام فصارمعهم إيمان ضعيف لايقوى على الجهاد في سبيل الله .
{ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا } : يتمنى أنه حضر لينال من المغانم , فلم تهمه الأخرة همه كان ان يحضر شئ من المغانم - ليس رغبة ولا قصد بذلك كأنه ليس منكم يامعشر المؤمنين ولابينكم وبينه مودة وإنما يريد ذلك لأجل المغانم.
( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (74)
{ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } أي : فليقاتل في سبيل الله المؤمنون الكاملون الإيمان الصادقون الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة ,
يبيعون الدنيا رغبة عنها و بالاخرة رغبة فيها.
فإن هؤلاء هم الذين يوجه إليهم الخطاب لأنهم الذين قدأعدوا أنفسهم وطّونوها على جهاد الأعداء لما معهم من الإيمان التام المقتضي لذلك وأمّا أولئك المتثاقلون فلا يعبأ بهم خرجوا أو قعدوا فيكون هذا نظير قوله :
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا )
سورة الإسراء (107)
و ايضا قوله تعالى :
{ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ }
سورة الانعام (89)
{ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} أي :زيادة في إيمانه ودينه وغنيمة وثناءً وثواب المجاهدين في سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ أعد الله لهم بالجنة مالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
سبحانك الله وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك واتوب اليك اللهم اجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل معنا شقياً
ولا محروماً
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق