الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 80 الى آية 86



بسم الله الرحمن الرحيم 


الوجه الخامس عشر من سورة النساء 



يقول الله تعالى :


( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) (80) 


{ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } أي :كل من أطاع الرسول بأوامره ونواهيه 

فقد أطاع الله تعالى  لكونه لا يأمر ولا ينهى الا بأمر الله وشرعه , 
محمد صلى الله عليه وسلم ,لايأمر الا بشرع الله وأمره وتنزيله , 
وفي هٰذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لان الله امر بطاعته مطلقا 
فلولا انه معصوم في كل ما يبلّغ عن الله لم يأمر الله عز وجل بطاعته مطلقا 
ويمدحه على ذلك , 
وهٰذا من الحقوق المشتركة فان الحقوق ثلاثة : 
حق لله تبارك وتعالى لا يكون لاحد من الخلق , وهو عبادة الله تعالى 
والرغبة اليه وتوابع ذلك.

 وقسم مختص بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو 
التعزير والتوقير والنصرة , 
اما القسم الثالث فهو قسم مشترك وهو الايمان بالله وبرسوله ومحبتهما 
وطاعتهما كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله : 

( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (9) سورة الفتح . 

فمن اطاع الرسول فقد اطاع الله 
وله من الثواب والخير ما ترتب على طاعة الله . 



{وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } أي : ومن تولى عن طاعة الله ورسوله فانه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا 
فما ارسلناك يامحمد صلى الله عليه وسلم حفيظا ,
تحفظ اعمالهم واحوالهم ,
بل ارسلناك مبلغا ومبينا وناصحا فقد اديت وظيفتك ووجب اجرك على الله 
سواء اهتدوا ام لم يهتدوا كما قال تعالى : 

﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ(22)﴾. [ سورة الغاشية ]. 

ولا بد ان تكون طاعة الله ورسوله 
ظاهرا وباطنا وفي الحضرة والمغيب 
فاما من يظهر في الحضرة والطاعة والالتزام فاذا خلا بنفسه او ابناء جنسه 
ترك الطاعة واقبل على ضدها , 
فان الطاعة التي اظهرها غير نافعة لا تنفعه ولا مفيده.



( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ) (81)


{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } أي : قد اشبه الله عز وجل من قال فيهم .

{فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ } أي : خرجوا وابتعدوا عنك .


{ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ } أي : بيتوا ودبروا غير طاعتك , 
انما بيتوا الاثم والمعصية وفي قوله بيت طائفة منهم غير الذي تقول ... دليل على ان الامر استقر عليه غير الطاعة اصلا لان التبييت تدبير لامر ليلا على وجه يستقر عليه الرأي .


{ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} توعدهم على ما فعلوا , اي يحفظه عليهم و سيجازيهم عليه اتم الجزاء ,


{أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ} : امر الرسول صلى الله عليه وسلم بمقابلة بالاعراض 
وعدم التعنيف فانهم لن يضرونه شيئا اذا توكل على الله واستعان به في نصر 
دينه واقامة شرعه ولهذا قال فاعرض عنهم وتوكل على الله .


(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (82) 


{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ } يأمر الله تعالى بتدبر كتابه وهو التأمل في معانيه وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه ولوازم ذلك , فان تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف وبه 
يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم , وبه يزداد الايمان في القلب 
وترسخ شجرته فإنه يعرّف بالرب المعبود  وماله من 
صفات الكمال وما ينزه عنه من سمات النقص ويعرف الطريقة الموصلة اليه 
وكذلك صفة اهلها وما لهم عند القدوم عليه ويعرف العدو الذي هو العدو على 
الحقيقة  ,والطريقة الموصلة الى العذاب وصفة اهلها وما لهم عند الله عند وجود اسباب العقاب .
وكلما ازداد العباد تأملا فيه ازداد علما وعملا وبصيرة لذلك امر الله 
تعالى بتدبر كتابه عز وجل .

 ومن فوائد تدبر لكتاب الله انه بذلك يصل العبد الى درجة اليقين 
والعلم ان كلام الله وانه يصدق بعضه بعضا ويوافق بعضه بعضا فترى الحكم 
والقصة والاخبارات تعاد في القرآن بعدة مواضع كلها متوافقة متصادقة لا 
ينقض بعضها بعضا فبذلك يعلم كمال القرآن وانه من عند من احاط علمه بجميع 
الامور . 


{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } : فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلافا اصلا .




(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا )(83) 



{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ } وهذا تأديب من الله لعباده 
عن فعلهم هذا غير اللائق وانه ينبغي لهم اذا جائهم امر من الامور المهمة 
والمصالح العامة ما يتعلق به الامن وسرور المؤمنين او بالخوف الذي فيه 
مصيبة عليهم ان يتثبتوا ولا يستعجلوا باشاعة ذلك الخبر بل يردونه الى 
الله و الرسول والى اولي الامر منهم.



{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ }
اهل الرأي واهل العلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الامور 
ويعرفون المصالح و ضدها . 

فأن رأوا بإذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من اعدائهم 
فعلوا ذلك ,وان رأوا انّه ليس فيه مصلحة او فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على 
مصلحته لم يذيعوه .

ولهذا قال لعلمه الذين يستنبطونه منهم ..اي يستخرجونه 
بفكرهم وأرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة , 

وبهذا دليل لقاعدة ادبية وهي انه اذا حصل بحث في أمر 
من الامور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل الى اهله ولا يتقدم بين 
أيديهم فإنه اقرب الى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ . 

وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الامور من حين سماعها والامر بالتأمل قبل الكلام 
والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه الانسان ام لا فيحجم عنه .


{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} : في توفيقكم وتأديبكم وتعليمكم مالم تكونوا تعلمون .

{ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }: لأن الانسان بطبعه ظالم جاهل فلا تأمره نفسه 
الا بالشر فإذا لجأ الى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك 
لطف به ربه ووفقه لكل خير وعصمه من الشيطان الرجيم.



( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا )(84) 



{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ} : هذه الحالة أفضل احوال العبد ان يجتهد بنفسه على امتثال امر الله من الجهاد وغيره ويحرّض غيره عليه وقد يعدم في العبد الامران او احدهما . 

لهذا قال لا تكلف الا نفسك .. ف ليس لك قدرة على غير نفسك فلن تكلف بفعل غيرك 
..انت غير مسؤول عن فعل غيرك .


{وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } أي :على القتال وهذا يشمل كل أمر يحصل به نشاط
المؤمنين وقوة قلوبهم من تقويتهم والاخبار بضعف الاعداء وفشلهم 
وبما أعد الله للمقاتلين من الثواب وما على المتخلفين من العقاب , 

فهذا وامثاله كله يدخل في التحريض على القتال , فعلينا بالتحريض 
ولكن لسنا مكلفين بالخلق.



{عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ } أي: بقتالكم في سبيل الله وتحريض بعضكم 
بعضا .


{ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا } أشد تنكيلا بالمذنب في نفسه وتنكيلا لغيره ولو شاء تعالى ,لانتصر من الكفار بقوته ولم يجعل لهم باقية .




(مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ) (85) 

المراد بالشفاعة هنا المعاونة على امر من الامور فمن شفع غيره وقام معه
على امر من امور الخير ومنها الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم كان له نصيب 
من شفاعته بحسب سعيه وعمله ونفعه ولا ينقص من أجر الاصيل والمباشر شيئ ومن عاون غيره على أمر من  الشر كان عليه كذلك شيئ من الاثم ولا حول ولا قوة الا بالله .



{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا }أي :شاهدا وحفيظا وحسيبا على هذه الاعمال فيجازي كل منا ما يستحق .



(وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) (86) 


{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} : التحية هي اللفظ الصادر من احد المتلاقين على وجه الاكرام والدعاء ومايقترن بذلك اللفظ .. 
البشاشة و نحويها وهي انواع ماورد به الشرع من السلام ابتداء ,
 فأمر الله المؤمنين انهم اذا حييوا باي تحية  كانت ان يردوها باحسن منها لفظا , بشاشة .. اي من يرد عمن باشر بالسلام يرد 
بافضل من هذا .

وهذا أمر من الله عز وجل ان ترد بالافضل .

ويؤخذ من الاية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين : 
احدهما ان الله امر بردها باحسن منها او مثلها وذلك يستلزم ان التحية مطلوبة شرعا 
, ثانيا ما يستفاد من افعال التفضيل وهي احسن على مشاركة التحية وردها 
بالكلام الجميل كما هو الاصل في ذلك . 

ويستثنى من عموم الاية من حيا منشغلا بقراءة او مستمعا لخطبة أو مصلي 
لا يطلب اجابته للتحية . 

ويستثنى ايضا من أمر الشارع من هجره وعدم تحيته وهو العاصي غير التائب 
الذي يرتدع بالهجر, 
فانه يهجر ولا يحيى ولا ترد تحيته وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى . 

ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس من غير محظور شرعا فانه مأمور 
بردها وأحسن منها .


{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا } : اوعد الله سبحانه وتعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات ,فيحفظ على العباد اعمالهم حسنها , سيئها 
صغيرها , كبيرها فاعمالنا كلها محفوظة 
ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمته سبحانه جل وعلا .



سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أنّ لا اله الا أنت استغفرك واتوب اليك 


ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق