الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة النساء من آية 87 الى آاية 91


بسم الله الرحمن الرحيم 




الوجه السادس عشر من سورة النساء
 
 
يقول الله تعالى :


{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا }

يخبر الله تعالى عن انفراده بالوحدانية سبحانه،

وأنه لا معبود ولا مألوه إلا هو،
لكماله في ذاته وأوصافه، ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير، والنعم الظاهرة والباطنة.

{الله لا إله إلا هو} هذا توحيد الربوبية،

هو المنفرد بالخلق و التدبير و الملك، و النعم الظاهرة و الباطنة،
وذلك يستلزم الأمر بعبادته.

إذا عندما نعرف أن الله واحد في كل هذه الأمور، معناها يستلزم هذا كله الأمر بعبادته،
والتقرب إليه وحده بجميع أنواع العبودية.

لكونه المستحق لذلك وحده والمجازي للعباد بما قاموا به من عبوديته أو تركوه منها،
ولذلك أقسم على وقوع محل الجزاء وهو يوم القيامة،

فقال {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} أي أولكم وآخِركم في مقام واحد.
متى يا رب تجمعنا؟

في {يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} أي لا شك ولا شبهة بوجه من الوجوه،
بالدليل العقلي والدليل السمعي.

أما الدليل العقلي ما نشاهده من إحياء الأرض بعد موتها،
ومن وجود النشأة الأولى التي وقوع الثانية من باب أَوْلى و هي أسهل و أهون،
-و لله المثل الأعلى-
ومن الحكمة التي تجزم بأن الله لم يخلق خلقه عبثًا، يحيون ثم يموتون.

وأما الدليل السمعي فهو إخبار أصدق الصادقين بذلك، بل إقسامه عليه ولهذا قال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}
هذا الدليل السمعي على أننا سوف نبعث يوم القيامة و سنجازى،
أما الدليل العقلي فما نشاهده من إحياء الأرض بعد موتها :
الأرض ميتة ثم ينزل المطر و إذا بها تحيا من جديد،

إذا يستطيع الله عزوجل سبحانه و تعالى أن يحيي هذه العظام و هي رميم.


كذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم عليه في غير موضع من القرآن، 

كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}

وفي قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}

{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} إخبار بأن حديثه وأخباره وأقواله في أعلى مراتب الصدق،
أعلى مراتب الصدق أخبار الله تعالى و أقواله و حديثه، بل أعلاها.

فكل ما قيل في العقائد والعلوم والأعمال مما يناقض ما أخبر الله به، فهو باطل لمناقضته للخبر الصادق اليقين، فلا يمكن أن يكون حقًّا.

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ }

المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الآيات: المنافقون المظهرون إسلامهم، ولم يهاجروا مع كفرهم،
وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه،
فبعضهم تحرج عن قتالهم، وقطع موالاتهم بسبب ما أظهروه من الإيمان،
وبعضهم علم أحوالهم بقرائن أفعالهم فحكم بكفرهم.

إذا اختلف الصحابة، بعضهم حكم بكفرهم، و بعضهم لا، أعطاهم على إيمانهم الظاهر.

فأخبر الله تعالى أنه لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ولا تشكوا،
بل أمرهم واضح غير مشكل،

إنهم منافقون قد تكرر كفرهم، وودوا مع ذلك كفركم، يودون أن تكفروا أنتم حتى معهم، وأن تكونوا مثلهم.

فإذا تحققتم ذلك منهم {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ}
وهذا يستلزم عدم محبتهم لأن الولاية فرع المحبة.

فإذا واليت هؤلاء هذا يعني أنه لديك شيء من المحبة.

واختلف في سبب نزول ذلك، عن الإمام أحمد: عن زيد بن ثابت:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد، فرجع ناس خرجوا معه،
فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: نقتلهم. وفرقة تقول: لا
فأنزل الله: (فما لكم في المنافقين فئتين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد".

أخرجاه في الصحيحين.

ويستلزم أيضا بغضهم وعداوتهم لأن النهي عن الشيء أمر بضده و هذه قاعدة،
وهذا الأمر مؤقت بهجرتهم فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين،
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري أحكام الإسلام لكل مَنْ كان معه وهاجر إليه،
سواء كان مؤمنا حقيقة أو ظاهر الإيمان.

وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنه {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم} أي في أي وقت وأي محل كان،
وهذا من جملة الأدلة الدالة على نسخ القتال في الأشهر الحرم،

كما هو قول جمهور العلماء، والمنازعون يقولون: هذه نصوص مطلقة، محمولة على تقييد التحريم في الأشهر الحرم.
ثم إن الله تعالى استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فِرَق:
فرقتين أمر بتركهم وحتَّم على ذلك،
إحداهما {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} أي من يصل إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال فينضم إليهم،

فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال، أي تحقن دماؤهم و أموالهم.

والفرقة الثانية قوم {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} أي: بقوا، لا تسمح أنفسهم بقتالكم، ولا بقتال قومهم، وأحبوا ترك قتال الفريقين، فهؤلاء أيضا أمر الله بتركهم،

وذكر الحكمة في ذلك في قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ}،
فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام:

إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم،
وهذا متعذر من هؤلاء،
فدار الأمر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين،
وهو أهون الأمرين عليكم،
والله قادر على تسليطهم عليكم، فاقبلوا العافية، واحمدوا ربكم،
هذا دليل على العافية، فالله تعالى يأمرنا بالعافية ،
فاقبلوا العافية و احمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم مع التمكن من ذلك.

فـهؤلاء {إن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}

الفرقة الثالثة: قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظرعن احترامكم، وهم الذين قال الله فيهم:

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} أي من هؤلاء المنافقين.

{يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ} أي خوفا منكم،

{وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} أي لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم،
وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن أعماهم ونكسهم على رءوسهم،
وازداد كفرهم ونفاقهم،
وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية، وفي الحقيقة مخالفة لها.

فإن الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احترامًا لهم لا خوفا على أنفسهم،

وأما هذه الفرقة فتركوه خوفا لا احتراما، بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين، فإنهم مستعدون لانتهازها،
فهؤلاء إن لم يتبين منهم ويتضح اتضاحًا عظيمًا اعتزال المؤمنين وترك قتالهم، فإنهم يقاتلون،

ولهذا قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ}

أي المسالمة والموادعة


 {وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}

أي حجة بينة واضحة، لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة،
فلا يلوموا إلا أنفسهم.

نسأل الله العافية و السلامة،
نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا يا حي يا قيوم،
نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا يا ذا الجلال و الإكرام،
و صل اللهم و سلم و بارك على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
سبحانك اللهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
اللهم اجعل هذا الإجتماع اجتماعا مرحوما، و اجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، و لا تجعل يا رب معنا شقيا و لا محروما، و صل اللهم و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا . 


ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق