بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجه السابع
عشر من سورة المائدة
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ
الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) ( 84)
فكأنَّهُم
لِيمُوا على إيمانِهِم، ومسارعتِهِم فيهِ،
كأن
أحدًا لامَهُم على إيمانِهِم، وقالَ لهُم: لماذا أسرعْتُم بالإيمانِ بمُحَمَّدٍ
صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
فردُّوا
قائِلِين:
{
وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ
يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ }:
أي:
وما الذي يمنعُنا منَ الإيمانِ باللهِ،
والحالُ
أنَّه قدْ جاءَنا الحقُّ من ربِّنا، الذي لا يقبلُ الشكَّ والرَّيبَ،
ونحنُ
إذا آمنَّا واتَّبَعْنا الحقَّ، طمِعْنا أنْ يدخلَنا اللهُ الجنَّةَ مع القومِ الصَّالحِين
- فهُم
عرفُوا اللهَ عزَّ وجلَّ حقَّ المعرفةِ، فطمعُوا في رحمتِهِ-
فأيُّ
مانعٍ يمنعُنا؟
أليسَ
ذلكَ موجِبًا للمسارعةِ والانقيادِ للإيمانِ، وعدمَ التخلُّفِ عنْهُ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ
بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ
وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ) ( 85)
اللهُ
أكبرُ!
مباشَرةً،
تحفيزٌ منَ اللهِ تَعالَى، وسرعةُ استجابةٍ منْهُ عزَّ وجلَّ.
قالَ
اللهُ تَعالَى :
{
فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا }
أي: بما
تفوَّهُوا بهِ منَ الإيمانِ ونطقُوا بهِ منَ التَّصديقِ بالحقِّ.
اللهُ
أكبرُ!
بماذا
أثبْتَهُم يا ربِّ؟!
{
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ
الْمُحْسِنِينَ }:
وهذهِ
الآياتُ نزلَتْ في النَّصارَى، الذين آمنُوا بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ،
كالنَّجاشيِّ
وغيرِهِ ممَّنْ آمنَ منْهُم.
وكذلكَ
لا يزالُ يوجدُ فيهِم منْ يختارُ دينَ الإسلامِ، ويتبيَّنُ لهُ بطلانُ ما كانُوا
عليهِ،
وهُم
أقربُ منَ اليهودِ والمُشركِين إلى دينِ الإسلامِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) ( 86)
ولمَّا
ذكرَ ثوابَ المُحسِنين، ذكرَ عقابَ المُسيئِين،
وهذا
أسلوبُ القرآنِ.
قالَ:
{
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }:
لأنَّهُم
كفرُوا باللهِ، وكذَّبُوا بآياتِهِ المُبيِّنةِ للحقِّ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا
ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) ( 87)
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
{ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكُمْ }:
منَ
المطاعمِ والمشاربِ،
فإنَّها
نِعَمٌ أنعمَ اللهُ بها عليكُم،
فاحمدُوهُ
إذْ أحلَّها لكُم، واشكُروهُ ولا تردُّوا نعمتَهُ بكفرِها، أو عدمِ قبولِها، أو اعتقادِ
تحريمِها،
فتجمعُون
بذلكَ بينَ القولِ الكذبِ على اللهِ، وكفرِ النِّعمةِ،
واعتقادِ
الحلالِ الطَّيِّبِ حرامًا خبيثًا،
فإنَّ
هذا منَ الاعتداءِ.
واللهُ
قدْ نهَى عنِ الاعتداءِ، فقالَ:
{
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }:
بلْ
يبغضُهُم ويمقتُهُم ويعاقبُهُم على ذلكَ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ
اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ )
( 88)
ثمَّ
أمرَ بضدِّ ما عليه المُشرِكُون، الذين يحرِّمُون ما أحلَّ اللهُ،
فقالَ:
{
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا }:
أي: كلُوا
منْ رزقِهِ الذي ساقَهُ إليكُم، بما يسرَّهُ منَ الأسبابِ،
إذا
كانَ حلَالًا لا سرقةً ولا غصبًا ولا غيرَ ذلكَ منْ أنواعِ الأموالِ التي تُؤخَذُ
بغيرِ حقٍّ،
وكانَ
أيضًا طيِّبًا، وهو الذي لا خبثَ فيهِ،
فخرجَ بذلك الخبيثُ منَ السِّباعِ والخبائثِ.
{
وَاتَّقُوا اللَّهَ }:
في
امتثالِ أوامرِهِ، واجتنابِ نواهِيهِ.
{
الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }:
فإنَّ
إيمانَكُم باللهِ يوجِبُ عليكُم تقوَاهُ ومراعاةَ حقِّهِ،
فإنَّهُ
لا يتمُّ إلا بذلكَ.
ودلَّتِ
الآيةُ الكريمةُ على أنَّهُ إذا حرَّمَ حلالًا عليهِ من طعامٍ وشرابٍ، وسريَّةٍ
وأمَةٍ، ونحوِ ذلكَ،
فإنَّهُ
لا يكونُ حرامًا بتحريمِهِ، لكن لو فعلَهُ فعليهِ كفَّارةُ يمينٍ،
كما
قالَ تَعالَى:
{ يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ }
ويدخلُ
في هذهِ الآيةِ أنَّهُ لا ينبغِي للإنسانِ أنْ يتجنَّبَ الطَّيِّباتِ ويحرِّمَها
على نفسِهِ،
بلْ
يتناولُها مستعينًا بها على طاعةِ ربِّهِ جلَّ وعَلا.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ
الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا
حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( 89)
{ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }
أي: في
أيمانِكُم التي صدرَتْ على وجهِ اللَّغوِ،
وهي
الأَيمانُ التي حلفَ بها المُقسِمُ منْ غيرِ نيَّةٍ ولا قصدٍ،
أو عقدَها
يظنُّ صدقَ نفسِهِ، فبانَ بخلافِ ذلكَ.
{
وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ }:
أي:
بما عزمْتُم عليهِ، وعقدَتْ عليهِ قلوبُكُم.
كما
قالَ في الآيةِ الأخرَى:
{
وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }:
{
فَكَفَّارَتُهُ }:
أي: كفَّارةُ
اليمينِ الذي عقدْتُموها بقصدِكُم
{
إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ }:
وذلكَ
الإطعامُ:
{ مِنْ
أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ }:
أي: كِسوةُ
عشرةِ مساكِينَ، والكِسوةُ هي التي تجزِئُ في الصَّلاةِ.
{ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ }:
أي: عِتقُ
رقبةٍ مؤمنةٍ كما قُيِّدَتْ في غيرِ هذا الموضعِ،
فمتَى
فعلَ واحدًا منْ هذهِ الثَّلاثةِ، فقدْ انحلَّتْ يمينُهُ.
{
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ }:
واحدًا
منْ هذهِ الثَّلاثةِ،
{ فَصِيَامُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ }
المذكُورُ
{
كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ }:
تكفِّرُها
وتمحُوها، وتمنعُ منَ الإثمِ.
{
وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ }:
عن
الحلفِ باللهِ كاذبًا، وعنْ كثرةِ الأَيمانِ،
واحفظوُها
إذا حلفْتُم عنِ الحنثِ فيهـا، إلا إذا كانَ الحَنثُ خيرًا،
فتمامُ
الحفظِ: أنْ يفعلَ الخيرَ، ولا يكونَ يمينُهُ عُرْضةً لذلكَ الخيرِ.
{
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ }:
المُبَيِّنَةِ
للحلالِ من الحرامِ، المُوَضِّحَةِ للأحكامِ.
{
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }:
اللهَ،
حيثُ علَّمَكُم ما لم تكونُوا تعلمُون.
فعلَى
العبادِ شكرَ اللهِ تَعالَى على ما منَّ بهِ عليهِم، منْ معرفةِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ
وتبيينِها.
لهُ
الحمدُ والشُّكرُ والمنَّةُ على هذه الدُّروسِ، على مجالسِ الذِّكرِ التي نجلسُها،
أنتُم
تعلمُون- أيَّها الإخوة- أنَّ الملائكةَ تحفُّكُم في مجالسِ الذِّكرِ هذهِ،
فإذا
استشعرْتُم ذلك، غشيَتْكُم الرَّحمةُ، وذكَرَكُم اللهُ عزَّ وجلَّ في الملأِ
الأعلَى، وتنزلَتْ عليكُم الملائكةُ،
يقولُ
الله عزَّ وجلَّ: ماذا يفعلُ عبادِي؟
فتقولُ
الملائكةُ: يذكرونَكَ ويمجِّدُونَكَ ويسبِّحُونَكَ.
فيقولُ:
أُشهِدُكُم أنِّي قدْ غفرْتُ لهُم.
اللهُمَّ
اغفرْ لنا ذنوبَنا، ما أسرَرْنا منْها وما أعلنَّا، وما أنتَ أعلمُ بهِ منَّا!
يا
اللهُ! برحمتِكَ نستغيثُ ونرجُو، أصلِحْ لنا شأنَنا كلَّهُ، ولا تكلْنا إلى أنفسِنا
طرفةَ عينٍ،
اللهُمَّ
أبرِمْ لهذهِ الأمَّةِ أمرًا رشيدًا رَشَدًا،
يُعَزُّ
فيهِ أهلُ الطَّاعةِ، ويهدِي فيهِ أهلَ المعصيةِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
اللهُمَّ
انصرِ الإسلامَ والمُسلِمِين، وأذلَّ الشِّركَ والمُشركين، ودمِّرْ أعداءَ
الدِّينِ، وانصرْ عبادَكَ الموحِّدينَ،
واجعلْ
جميعَ بلادِ المُسلِمِينَ مستقِرَّةً يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ
مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( 90)
هذه
الآياتُ تعتبرُ الآياتُ الأخيرةُ في تحريمِ الخمرِ،
وأنتُم
تعلمُون أنَّ الخمرَ تدرَّجَ حكمُها إلى أربعِ آياتٍ،
وهذه
الآيةُ والتي تلِيها، هُما الآيتَان الأخيرَتان.
مناسبتُها
لما قبلِها:
أنَّ
اللهَ تَعالَى قالَ سابقًا:
{ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكُمْ }
{
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
{وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ
اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }
ثمَّ
قالَ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
حيثُ
ذكرَ اللهُ المحرَّماتِ منَ الأطعمةِ،
يذمُّ تَعالَى
هذهِ الأشياءَ القبيحةَ، ويخبرُ أنَّها منْ عملِ الشَّيطانِ، وأنَّها رجسٌ.
{
فَاجْتَنِبُوهُ }:
أي:
اتركُوهُ
{
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }:
فالفَلَاحُ
مطلبٌ، وجميعُنا نطلبُ هذا الفلاحَ، نسعَى إليهِ،
فكيفَ
الوصولُ يا ربِّ إليهِ؟!
اللهُ
ذكرَ الفَلَاحَ في هذهِ الآيةِ:
{
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }:
والمفهومُ
منَ الآيةِ أنَّ الفَلاحَ لا يتمُّ إلا بتركِ ما حرَّمَ اللهُ،
ففتشْ
عنْ أعمالِكَ، ونقِّبْ بينَها، وأخرِجْ ما كانَ فيهِ معصيةً للهِ عزَّ وجلَّ حتى
تنالَ الفَلَاحَ.
{
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }:
فإنَّ
الفَلَاحَ لا يتمُّ إلا بتركِ ما حرَّمَ اللهُ، وخصوصًا هذهِ الفواحشِ المذكُورةِ،
والكبائرُ
كلُّها فواحشُ، وهيَ:
الخمرُ،
وهي: كلُّ ما خامرَ العقلَ، أي: غطَّاهُ بسكرِهِ،
والميسِرُ،
وهوَ: جميعُ المُغالَباتِ التي فيها عوضٌ منَ الجانبَين،
كالمراهنةِ
ونحوِها،
والأنصابُ
التي هيَ: الأصنامُ والأندادُ ونحوِها،
ممَّا
يُنصَّبُ ويُعبدُ منْ دونِ اللهِ عزَّ وجلَّ،
والأزلامُ
التي يستقسِمُون بها،
فهذهِ
الأربعةُ نهَى اللهُ عنْها وزجرَ،
وأخبرَ
عنْ مفاسدِها الدَّاعيةِ إلى تركِها واجتنابِها.
فمنْها:
أنَّها رِجسٌ، أي: خبثٌ، نجسٌ معنًى،
وإن لم
تكن نجسةً حسًّا، فإنَّها نجسةٌ معنويًّا.
ومنْها:
أنَّها منْ عملِ الشَّيطانِ،
الذي
هو أعدَى الأعداءِ للإنسانِ.
ومنَ
المعلومِ أنَّ العدوَّ يُحذَرُ منْهُ، وتُحذَرُ مصايدُهُ وأعمالُهُ،
خصوصًا
الأعمالُ التي يعملُها ليوقعَ فيها عدوَّهُ،
فإنَّها
فيها هلاكُهُ،
فالحزمُ
كلُّ الحزمِ، والبعدُ عن عملِ العدوِّ المُبينِ، والحذرُ منْهـا، والخوفُ منَ
الوقوعِ فيها.
اللَّهُمَ
أعنَّا على فعلِ الحلالِ، واكفِنا بحلالِكَ
عنْ حرامِكَ، وبفضلِكَ عمَّنْ سِواكَ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
ومنْها:
أنَّهُ لا يمكنُ الفَلَاحُ للعبدِ إلا باجتنابِها،
فإنَّ
الفَلَاحَ الذي يطلبُهُ الجميعُ، هو: الفوزُ بالمطلوبِ المحبوبِ، والنَّجاةُ منَ
المرهوبِ،
وهذهِ
الأمورُ- الفواحشُ- مانِعةٌ منَ الفَلاحِ
ومعوِّقَةٌ لهُ.
فكثيرٌ
منَّا يتشكَّى ويتذمَّرُ منْ أمورٍ لم تحصلْ لهُ أو نحوِها،
فعليهِ
أنْ يطلبَ الفَلاحَ ويبحثَ عن طرقِهِ.
ومنْها:
أنَّ هذهِ موجِبةٌ للعداوةِ والبغضاءِ بينَ النَّاسِ،
والشَّيطانُ
حريصٌ على بثِّها، خصوصًا الخمرَ والميسِرَ،
ليوقعَ
بينَ المؤمِنين العداوةَ والبغضاءَ.
فإنَّ
في الخمرِ منْ انغلابِ العقلِ، وذهابِ حجَاهُ،
ما يدعُو
الرَّجلَ إلى البغضاءِ بينَهُ وبينَ إخوانِهِ المؤمِنِين،
ومنْها:
أنَّ هذهِ الأشياءَ تصدُّ القلبَ، ويتبعُهُ البدنُ عنْ ذكرِ اللهِ، وعنِ الصَّلاةِ،
اللذَين خُلِقَ لهُما العبدُ، وبهِما سعادتُهُ،
فالخمرُ
والميسِرُ، يصدَّانِهِ عن ذلكَ أعظمَ صدٍّ، ويشتغلُ قلبُهُ، ويذهلُ لبُّهُ في
الاشتغالِ بهِما.
ونفهمُ
منْ ذلكَ، أنَّ كلَّ ما يذهِبُ العقلَ، ويشغلُهُ، ويصدُّهُ وينهاهُ عن الصَّلاةِ،
قد
يدخلُ في التَّحريمِ مع الخمرِ والميسِرِ، وهذِه الأمورِ.
فأيُّ
معصيةٍ أعظمُ وأقبحُ من معصيةٍ تُدنِّسُ صاحبَها، وتجعلُهُ من أهلِ الخُبثِ، وتوقعُهُ
في أعمالِ الشَّيطانِ وشباكِهِ،
فينقادَ
لهُ كما تنقادُ البهيمةُ الذَّليلةُ لراعِيها،
وتحولُ
بينَ العبدِ وبين فلاحِهِ،
وتوقعُ
العداوةَ والبغضاءَ بينَ المُؤمِنِين،
وتصدُّ
عن ذكرِ اللهِ، وعن الصَّلاةِ؟
ولهذا
عرضَ تَعالَى على العقولِ السَّليمةِ النَّهيَ عنْها، عرْضًا بقولِهِ:
{
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }:
لأنَّ
العاقلَ -إذا نظرَ إلى بعضِ تلكَ المفاسدِ- انزجرَ عنْها،
وكفَّتْ
نفسُهُ، ولم يحتجْ إلى وعظٍ كثيرٍ، ولا زجرٍ بليغٍ.
سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ،
أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ
تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا مُحمَّد وعلى
آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق