الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة المائدة من آية 91 إلى آية 95





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجهُ الثَّامنُ عشر من سورة المائدة


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ( 91)

هذه الآياتُ تعتبرُ الآياتُ الأخيرةُ في تحريمِ الخمرِ،
وأنتُم تعلمُون أنَّ الخمرَ تدرَّجَ حكمُها إلى أربعِ آياتٍ،

وهذه الآيةُ والتي سبقَتْها، هُما الآيتَان الأخيرَتان.

مناسبتُها لما قبلِها:
أنَّ اللهَ تَعالَى قالَ سابقًا:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ }

{ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }

{ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

ثمَّ قالَ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

حيثُ ذكرَ اللهُ المحرَّماتِ منَ الأطعمةِ،
يذمُّ تَعالَى هذهِ الأشياءَ القبيحةَ، ويخبرُ أنَّها منْ عملِ الشَّيطانِ، وأنَّها رجسٌ.

{ فَاجْتَنِبُوهُ }:
أي: اتركُوهُ

{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }:
فالفَلَاحُ مطلبٌ، وجميعُنا نطلبُ هذا الفلاحَ، نسعَى إليهِ،
فكيفَ الوصولُ يا ربِّ إليهِ؟!

ذكرَ اللهُ الفَلَاحَ في هذهِ الآيةِ:
{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }:
والمفهومُ منَ الآيةِ أنَّ الفَلاحَ لا يتمُّ إلا بتركِ ما حرَّمَ اللهُ،
ففتشْ عنْ أعمالِكَ، ونقِّبْ بينَها،
وأخرِجْ ما كانَ فيهِ معصيةً للهِ عزَّ وجلَّ، حتى تنالَ الفَلَاحَ.

{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }:
فإنَّ الفَلَاحَ لا يتمُّ إلا بتركِ ما حرَّمَ اللهُ، وخصوصًا هذهِ الفواحشِ المذكُورةِ،

والكبائرُ كلُّها فواحشُ، وهيَ:

الخمرُ، وهي: كلُّ ما خامرَ العقلَ، أي: غطَّاهُ بسكرِهِ،

والميسِرُ، وهوَ: جميعُ المُغالَباتِ التي فيها عوضٌ منَ الجانبَين، كالمراهنةِ ونحوِها،

والأنصابُ التي هيَ: الأصنامُ والأندادُ ونحوِها، ممَّا يُنصَّبُ ويُعبدُ منْ دونِ اللهِ عزَّ وجلَّ،

والأزلامُ التي يستقسِمُون بها،

فهذهِ الأربعةُ نهَى اللهُ عنْها وزجرَ،

وأخبرَ عنْ مفاسدِها الدَّاعيةِ إلى تركِها واجتنابِها.

فمنْها: أنَّها رِجسٌ، أي: خبثٌ، نجسٌ معنًى،
وإن لم تكن نجسةً حسيًّا، فإنَّها نجسةٌ معنويًّا.

ومنْها: أنَّها منْ عملِ الشَّيطانِ، الذي هو أعدَى الأعداءِ للإنسانِ.

ومنَ المعلومِ أنَّ العدوَّ يُحذَرُ منْهُ، وتُحذَرُ مصايدُهُ وأعمالُهُ،
خصوصًا الأعمالُ التي يعملُها ليوقعَ فيها عدوَّهُ، فإنَّها فيها هلاكُهُ،
فالحزمُ كلُّ الحزمِ، والبعدُ عن عملِ العدوِّ المُبينِ،
والحذرُ منْهـا، والخوفُ منَ الوقوعِ فيها.

اللَّهُمَ  أعنَّا على فعلِ الحلالِ، واكفِنا بحلالِكَ عنْ حرامِكَ، وبفضلِكَ عمَّنْ سِواكَ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!

ومنْها: أنَّهُ لا يمكنُ الفَلَاحُ للعبدِ إلا باجتنابِها،
فإنَّ الفَلَاحَ الذي يطلبُهُ الجميعُ،
هو: الفوزُ بالمطلوبِ المحبوبِ، والنَّجاةُ منَ المرهوبِ،

وهذهِ الأمورُ- الفواحشُ -  مانِعةٌ منَ الفَلاحِ ومعوِّقَةٌ لهُ.
فكثيرٌ منَّا يتشكَّى ويتذمَّرُ منْ أمورٍ يريدُها، ولم تحصلْ لهُ أو نحوِها،
فعليهِ أنْ يطلبَ الفَلاحَ ويبحثَ عن طرقِهِ.

ومنْها: أنَّ هذهِ موجِبةٌ للعداوةِ والبغضاءِ بينَ النَّاسِ،
والشَّيطانُ حريصٌ على بثِّها، خصوصًا الخمرَ والميسِرَ،
ليوقعَ بينَ المؤمِنين العداوةَ والبغضاءَ.

فإنَّ في الخمرِ منْ انغلابِ العقلِ، وذهابِ حجَاهُ، ما يدعُو الرَّجلَ إلى البغضاءِ بينَهُ وبينَ إخوانِهِ المؤمِنِين،

ومنْها: أنَّ هذهِ الأشياءَ تصدُّ القلبَ، ويتبعُهُ البدنُ عنْ ذكرِ اللهِ، وعنِ الصَّلاةِ، اللذَين خُلِقَ لهُما العبدُ، وبهِما سعادتُهُ،
فالخمرُ والميسِرُ، يصدَّانِهِ عن ذلكَ أعظمَ صدٍّ، ويشتغلُ قلبُهُ، ويذهلُ لبُّهُ في الاشتغالِ بهِما.

ونفهمُ منْ ذلكَ، أنَّ كلَّ ما يذهِبُ العقلَ، ويشغلُهُ، ويصدُّهُ وينهَاهُ عن الصَّلاةِ،
قد يدخلُ في التَّحريمِ مع الخمرِ والميسِرِ، وهذِه الأمورِ.

فأيُّ معصيةٍ أعظمُ وأقبحُ من معصيةٍ تُدنِّسُ صاحبَها، وتجعلُهُ من أهلِ الخُبثِ،
وتوقعُهُ في أعمالِ الشَّيطانِ وشباكِهِ، فينقادَ لهُ كما تنقادُ البهيمةُ الذَّليلةُ لراعِيها،
وتحولُ بينَ العبدِ وبين فلاحِهِ،
وتوقعُ العداوةَ والبغضاءَ بينَ المُؤمِنِين،
وتصدُّ عن ذكرِ اللهِ، وعن الصَّلاةِ؟

ولهذا عرضَ تَعالَى على العقولِ السَّليمةِ النَّهيَ عنْها، عرْضًا بقولِهِ:

{ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }:
لأنَّ العاقلَ -إذا نظرَ إلى بعضِ تلكَ المفاسدِ- انزجرَ عنْها، وكفَّتْ نفسُهُ،
ولم يحتجْ إلى وعظٍ كثيرٍ، ولا زجرٍ بليغٍ.



يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) ( 92)

{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }:
طاعةُ اللهِ، وطاعةُ رسولِهِ واحدةٌ،
فمنْ أطاعَ اللهَ، فقدْ أطاعَ الرَّسولَ، ومن أطاعَ الرَّسولَ فقدْ أطاعَ اللهَ.

وذلكَ شاملٌ للقيامِ بما أمرَ اللهُ بهِ، ورسولُهُ من الأعمالِ، والأقوالِ الظَّاهرةِ والباطنةِ، الواجبةِ والمستحبَّةِ،
المتعلِّقةِ بحقوقِ اللهِ، وحقوقِ خلقِهِ،
والانتهاءِ عمَّا نهَى اللهُ ورسولُهُ عنْهُ كذلكَ.

وهذا الأمرُ أعمُّ الأوامرِ.

{ وَاحْذَرُوا }:
من معصيةِ اللهِ، ومعصيةِ رسولِهِ،
فإنَّ في ذلكّ الشرَّ، والخسرانَ المبينَ.

{ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ }:
عمَّا أُمِرْتُم به ونُهِيتُم عنْهُ.

{ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }:
وقد أدَّى رسالتَهُ.
فإنْ اهتدَيتُم فلأنفسِكُم، وإنْ أسأْتُم فعلَيها،
واللهُ هو الذي يحاسبُكُم، والرَّسولُ قد أدَّى ما عليهِ، وما حُمِّلَ بهِ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( 93)

لمَّا نزَّلَ اللهُ عزَّ وجلَّ تحريمَ الخمرِ، والنَّهيَ الأكيدَ، والتَّشديدَ فيهِ،
تمنَّى أناسٌ من المُؤمِنِين أنْ يعلمُوا حالَ إخوانِهِم الذين ماتُوا على الإسلامِ قبلَ تحريمِ الخمرِ، وهم يشربُونَها.

فأنزلَ اللهُ هذهِ الآيةَ،

وأخبرِ تَعالَى أنَّه:

{ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ }:
أي: حرجٌ وإثمٌ

{ فِيمَا طَعِمُوا }:
من الخمرِ والميسِرِ قبلَ تحريمِهِما.

ولمَّا كانَ نفيُ الجُناحِ يشملُ المذكُوراتِ، وغيرَها، قيَّدَ ذلكَ بقولِهِ:

{ إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }:
فالعبرةُ بالتَّقوَى، وعملِ الصَّالحاتِ،
بشرطِ أنَّهُم تاركُون للمعاصِي، مؤمِنُون باللهِ إيمانًا صحيحًا، مُوجِبًا لهُم عملَ الصَّالحاتِ،
ثمَّ استمرُّوا على ذلكَ.

وإلا فقدْ يتَّصفُ العبدُ بذلكَ في وقتٍ دونَ آخرَ.

فلا يكفِي حتى يكونَ كذلكَ، حتى يأتيَهُ أجلُهُ، ويدومُ على إحسانِهِ،
فإنَّ اللهَ يحبُّ المُحسِنِين في عبادةِ الخالقِ، المُحسِنِين في نفعِ العبيدِ.

ويدخلُ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ، من طَعِمَ المحرَّمَ، أو فعلَ غيرَهُ بعدَ التَّحريمِ،
ثمَّ اعترفَ بذنبِهِ وتابَ إلى اللهِ، واتَّقَى وآمنَ وعملَ صالحًا،
فإنَّ الله يغفرُ لهُ، ويرتفعُ عنْهُ الإثمُ في ذلكَ، بإذنِ اللهِ عزَّ وجلَّ.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( 94)

هذا من مِنَنِ اللهِ عزَّ وجلَّ على عبادِهِ، أنْ أخبرَهُم بما سيفعلُ قضاءً وقدَرًا،
ليطيعُوهُ ويقدِّمُوا على بصيرةٍ، ويهلَكَ من هلكَ عن بيِّنَةٍ، ويحيَا من حيَّ عن بيِّنَةٍ،

فقالَ تَعالَى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا }:
لابدَّ أنْ يختبرَ اللهُ إيمانَكُم.

{ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ }:
أي: بشيءٍ غيرَ كثيرٍ،
فتكونَ محنةً يسيرةً، تخفيفًا منْهُ تَعالَى ولطفًا،

وذلكَ الصَّيدُ الذي يبتلِيكُمُ الله بهِ قريبٌ جدًا:

{ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ }:
أي: تتمكَّنُون من صيدِهِ، بدونِ تعبٍ وجهدٍ، ليتمَّ بذلكَ الابتلاءُ،
لا غيرَ مقدورٍ عليهِ بيدٍ ولا رمحٍ، فلا يبقَى للابتلاءِ فائدةٌ.

اللهُ أكبرُ!
حتى يصلَ الحرامُ قريبًا منْكُم،
والآنَ نرَى أجهزةَ التَّواصلِ والنِّت وغيرَها، تصلُ إليكَ، وأنتَ في بيتِكَ، في غرفتِكَ، وفي سريرِكَ،
وتستطيعُ الوصولَ إلى أقصَى حدٍّ من المحرَّماتِ، دونَ الذَّهابِ إليها،

{ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ }:
تنالُهُ أيديكُم بسهولةٍ، دون مشقَّةٍ، أو تعبٍ، أو جهدٍ.

ما السَّببُ والحكمةُ في ذلكَ يا ربِّ؟!

ذكرَ اللهُ الحكمةَ في ذلكَ الابتلاءِ، فقالَ:

{ لِيَعْلَمَ اللَّهُ }:
عِلمًا ظاهرًا للخلْقِ، يترتَّبُ عليه الثَّوابُ والعقابُ.

{ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ }:
فيكفَّ عمَّا نهَى اللهُ عنْهُ مع قدرتِهِ عليهِ وتمكُّنِهِ،

{ فَمَنِ اعْتَدَى }:
منكُم

{ بَعْدِ ذَلِكَ }:
البيانَ، الذي قطعَ الحُججَ، وأوضحَ السَّبيلَ.

{ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }:
أي: مؤلمٌ موجِعٌ، لا يقدرُ على وصفِهِ إلا اللهُ،

اللهُمَّ اغنِنا بحلالِكَ عن حرامِكَ، وبفضلِكَ عمَّن سواكَ!


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) ( 95)

ثمَّ صرَّحَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالنَّهيِ عن قتلِ الصَّيدِ، في حالِ الإحرامِ،
فقالَ:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }:
أي: مُحرِمُون في الحجِّ والعمرةِ،

والنَّهيُ عن قتلِهِ، يشملُ النَّهيَ عن مقدَّماتِ القتلِ،-
إذا نهَى اللهُ  سُبحانَهُ وتَعالَى عن شيءٍ، فلا تقربْ مقدِّماتَهُ أيضًا-
وعن المشاركةِ في القتلِ، والدَّلالةِ عليهِ، والإعانةِ على قتلِهِ،
حتى إنَّ من تمامِ ذلكَ، أنَّه ينهَى المُحرِمَ عن أكلِ ما قُتِلَ، أو صِيدَ لأجلِهِ،

وهذا كلُّهُ تعظيمٌ لهذا النُّسُكِ العظيمِ،
أنَّهُ يحرُمُ على المُحرمِ قتلُ وصيدُ ما كان حلالًا لهُ قبلَ الإحرامِ.

{ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا }:
أي: قتلَ صَيدًا عمْدًا.

{ فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ }:
أي: عليهِ من الإبلِ، أو البقرِ، أو الغنمِ،
فينظرُ ما يشبهُ شيئًا من ذلكَ، فيجبُ عليه مثلُهُ، يذبحُهُ ويتصدَّقُ بهِ.

والاعتبارُ بالمماثلةِ، أنْ:

{ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }:
أي: عدلانِ يعرفانِ الحُكْمَ، ووجهَ الشَّبهِ،

كما فعلَ الصَّحابةُ رضيَ اللهُ عنهُم،
حيثُ قضَوا بالحمامةِ شاةً، وفي النَّعامةِ بدنةً، وفي بقرِ الوحشِ -على اختلافِ أنواعِهِ- بقرةً،

وهكذا كلُّ ما يشبهُ شيئًا من النِّعمِ، ففيهِ مثلُهُ،
فإنْ لم يشبهْ شيئًا، ففيهِ قيمتُهُ، كما هو القاعدةُ في المُتلَفاتِ،

وذلك الهديُ لا بدَّ أنْ يكونَ:

{ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ }:
أي: يُذبحُ في الحرمِ.

{ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ }:
أي: كفَّارةُ ذلكَ الجزاءِ، طعامُ مساكِين،

أي: يجعلُ مقابلةَ المثلِ من النَّعمِ، طعامٌ يطعِمُ المساكِينَ، ويوزَّعُ على فقراءِ الحرمِ.

قالَ كثيرٌ من العلماءِ:
يقومُ الجزاءُ، فيشتريَ بقيمتِهِ طعامًا، فيطعِمُ كلَّ مسكينٍ، مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاعٍ من غيرِهِ.

{ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ }:
الطَّعامَ

{ صِيَامًا }:
أي: يصومُ عن إطعامِ كلَّ مسكينٍ يومًا.

{ لِيَذُوقَ }:
بإيجابِ الجزاءِ المذكُورِ عليهِ

{ وَبَالَ أَمْرِهِ }

{ وَمَنْ عَادَ }:
بعدَ ذلكَ

{ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }:
وهذا يقاسُ عليهِ كثيرٌ من الأمورِ،
فلا تعاودِ الخطأَ مرَّةً ثانيةً،

اللهُ عزَّ وجلَّ رحمَنٌ رحيمٌ يقبلُ التَّوبةَ، وبابُهُ مفتوحٌ،
لكنْ احذرْ! فقدْ ينتقمُ اللهُ منْكَ قبلَ أنْ تتوبَ، فلا يمهلُكَ للتَّوبةِ.

{وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ }
احذرْ من إعادةِ الذَّنبِ مرةً أخرَى!
فلا يكنِ اللهُ أهونَ النَّاظِرِين إليكَ!

اللهُمَّ اغنِنا بحلالِكَ عن حرامِكَ، وبفضلِكَ عمَّن سوَاكَ!

وإنَّما نصَّ اللهُ على المتعمِّدِ لقتلِ الصَّيدِ،
مع أنَّ الجزاءَ يلزمُ المتعمِّدَ والمُخطِئَ،
كما هو القاعدةُ الشَّرعيَّةُ -أنَّ المُتلِفَ للنُّفوسِ، والأموالِ المحتَرمةِ،
فإنَّهُ يضمنُها على أيِّ حالٍ كانَ، إذا كانَ إتلافُهُ بغيرِ حقٍّ،

لأنَّ اللهَ رتَّبَ عليهِ الجزاءَ والعقوبةَ والانتقامَ، وهذا للمُتَعمِّدِ.

وأمَّا المخطئُ، فليسَ عليه عقوبةٌ، إنَّما عليهِ الجزاءُ.

اللهُمَّ اغنِنا بحلالِكَ عن حرامِكَ، وبفضلِكَ عمَّن سوَاكَ!



سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا من بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.





ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق