الاثنين، أغسطس 08، 2016

تفريغ سورة الأنعام من آية 91 إلى آية 94




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



الوجهُ الثَّاني عشر من سورة الأنعام


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) ( 91)

بعدَ أنْ ختمَ اللهُ الوجهَ السَّابقَ بقولِهِ:
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ )

قالَ اللهُ تَعالَى:
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ  }:
هذا يدلُّ دلالةً واضحةً على بشريَّةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ,
وعلى إنزالِ الكتابِ عليهِ.

ما عظَّمُوا اللهَ حقَّ تعظيمِهِ، إذْ كذَّبُوا رسلَهُ إليهِم.

قالَ ابنُ عباسٍ ومجاهدٌ: نزلَتْ في قريشٍ.
وقيلَ: نزلَتْ في طائفةٍ من اليهودِ.

{ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ْ}:
قلْ يا مُحَمَّدُ، لهؤلاء المنكِرِين لإنزالِ شيءٍ من الكتبِ،
 من عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ،
بإثباتِ قضيَّةٍ جزئيَّةٍ موجبةٍ:

{ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ }:

فالأقربُ أنَّها نزلَتْ في فئةٍ من اليهودِ،
لأنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالَى أتاهُم بدليلٍ:
{ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ }:

أمَّا قريشُ، فلا تعرفُ كتابَ موسَى، وهو التَّوراةُ،
التي قد علِمْتُم أنَّ اللهَ قد أنزلَها على موسَى بنِ عمرانَ،
نورًا وهُدًى للنَّاسِ،
ليُستَضاءَ بها في كشفِ المشكلاتِ، ويُهتَدَى بها منْ ظلمِ الشُّبهاتِ.

{ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا }:
أي: يجعلُها حملتُها قراطيسَ،
أي: قطعًا يكتُبونها من الكتابِ الأصليِّ الذي بأيديهِم،
ويحرِّفُون فيها ما يحرِّفُون، ويبدِّلُون ويتأوَّلُون.

ويقولُون:
{ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ }:
[ البقرة: 79 ]
أي: في كتابِهِ المنزَّلِ، وما هو منْ عندِ اللهِ.

{ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ }:
أي: ومن أنزلَ القرآنَ الذي علَّمَكُم اللهُ فيهِ منْ خبرِ ما سبقَ،
ونبأِ ما سيأتي،
ما لم تكونوا تعلمُون ذلكَ أنتُم ولا آباؤُكُم؟

فمن الذي علَّمَكُم قبلُ؟ ومن الذي علَّمَكُم بعدُ؟!

{ قُلِ اللَّهُ }:
قالَ ابنُ عباسٍ:
أي: قلِ: اللهُ أنزلَهُ.

{ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }:
أي: ثمَّ دعْهُم، واتركْهُم في جهلِهِم وضلالِهِم يلعبُون،
حتى يأتيَهُم منَ اللهِ اليقينُ.

فسوف يعلمُون ألهُم العاقبةُ، أمْ لعبادِ اللهِ المُتَّقِين؟

لسْت مسؤولًا عن النَّاسِ، انصحْ، وجِّهْ، واخرجْ.
لسْت مسؤولًا عنِ النَّتيجةِ والثَّمرةِ، هذا منْ شأنِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

هذا خطابٌ لمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
ولا شكَّ أنَّنا نحنُ من بابِ أولَى.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) ( 92)

{ وَهَٰذَا كِتَابٌ }:
يعني: القرآنُ

{ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ }:
يعني: مكَّةَ

{ وَمَنْ حَوْلَهَا }:
منْ أحياءِ العربِ، ومنْ سائرِ طوائفِ بنِي آدمَ، منْ عربٍ وعجمٍ.

ولهذا قالَ الله تَعالَى:
{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ }:
أي: كلُّ منْ آمنَ باللهِ واليومِ الآخرِ، آمنَ بهذا الكتابِ المباركِ،
الذي أنزلنَاهُ إليكَ يا مُحَمَّدُ، وهو القرآنُ.

{ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }:
هذا هو المعيارُ والمقياسُ:
أنَّهُم يُؤْمِنُونَ باللهِ وبِالْآخِرَةِ وبرُسُلِهِ وبالكِتَابِ،
وأنَّهُم يُحَافِظُونَ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ.

فنفهَمُ من ذلك، أنَّ منْ لم يحافظْ على صلاتِهِ،
لا يؤمنُ باللهِ ولا باليومِ الآخرِ,

وقد يكونُ إيمانُهُ ضعيفًا، فما قوَّاهُ، ولا جعلَ لهُ دافعًا ليصلِّيَ،
دوافعُهُ كانَتْ ضعيفةً,

ولا شكَّ أنَّ الإيمانَ باللهِ واليومِ الآخرِ،
يعطي دوافعًا للعملِ الصَّالحِ.

لذلك الله عزَّ وجلَّ يقولُ دائمًا:
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }:

فعملُ الصَّالحاتِ نتيجةٌ للإيمانِ،
وإنْ لمْ توجدِ الصَّالحاتُ، فلا يوجدُ إيمانٌ،
أو هو ضعيفٌ أصلًا.

فلا نشتَكِي منْ ضعفِ الأعمالِ أو من عدمِ وجودِها،
هذه ليسَتْ المشكلةُ،

بل نشتَكِي من ضعفِ الإيمانِ، وقصورِهِ،
ونحاولُ أن نزيدَ هذا الإيمانَ،

لأنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ تأتي تَبَعًا لهذا الإيمانِ باللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى، وباليومِ الآخرِ،
وهو الذي يعطيها قوَّةً.

فالتَّشخيصُ لهذا المرضِ:
أنَّ الإيمانَ باللهِ واليومِ الآخرِ ضعيفٌ،
فكانَتِ النَّتيجةُ ضعيفةً، والتي هي الأعمالُ الصَّالحةُ.

{ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ْ}:
أي: يقومُون بما افترضَ عليهَم الله عزَّ وجلَّ،
منْ أداءِ الصَّلواتِ في أوقاتِها.


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) ( 93)

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا }:
أي: لا أحدَ أظلمُ ممن كذبَ على اللهِ عزَّ وجلَّ، وافترَى عليِه،
وادَّعَى نزولَ الوحِي عليهِ،

فجعلَ للهِ شريكًا أو ولدًا، أو ادَّعَى أنَّ اللهَ أرسلَهُ إلى النَّاسِ،
ولم يكُنْ أرسلَهُ;

ولهذا قال تَعالَى:
{ أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ }:
قيلَ: نزلَتْ في مسيلمةَ الكذَّابِ، ومنْ سارَ على نهجِهِ.

{ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ْ}:
ومنْ ادَّعَى أنَّه يعارضُ ما جاءَ منْ عندِ اللهِ من الوحْيِ،
 ممَّا يفتريهِ منَ القولِ،

كقولِهِ تَعالَى:
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }:
نحنُ نستطيعُ قولَ مثلَ هذا الكلامِ، الذي عندَكَ يا مُحَمَّد - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

حالُ هؤلاء الظَلَمةِ عندَ الموتِ، ويومَ القيامةِ:

العياذُ باللهِ!
نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!

الآن، الله سُبحانَهُ وتَعالَى سيصوِّرُ لنا حالَ هؤلاءِ،
عندَ الموتِ، ويومَ القيامةِ:

{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ }:
أي: في سكراتِهِ وغمراتِهِ وكرباتِهِ،

{ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ }:
أي: بالضَّربِ

كما قالَ:
{ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }:
[ المائدة: 28 ]

وقولُهُ:
{ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ }:
[ الممتحنة: 2 ]


{ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ }:
أي: بالعذابِ.

ولهذا قال :
{ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ }:
أي: بالضَّربِ لهُم، حتى تخرجَ أنفسُهُم منْ أجسادِهِم;

نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ السَّلامةَ والعافيةَ!

ولهذا يقولُون لهُم:

{ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ }:
وذلك أنَّ الكافرَ -والعياذُ باللهِ - إذا احتضرَ،
 بشَّرَتْهُ الملائكةُ بالعذابِ والنَّكالِ، والأغلالِ والسَّلاسلِ،
والجحيمِ والحميمِ، وغضبِ الرّحَمنِ الرَّحيمِ،

فهو يعرفُ عندَ الاحتضارِ.

فتتفرَّقُ روحُهُ في جسدِهِ، وتصعبُ، وتستعصِي، وتأبَى الخروجَ،

فتضربُهُم الملائكةُ حتى تُخرجَ أرواحَهُم منْ أجسادِهِم،

قائِلِين لهُم:

{ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ }:
أي: اليومَ تُهانُون غايةَ الإهانةِ، كما كنْتُم تكذِبُون على اللهِ،
وتستكبِرُون عنْ اتِّباعِ آياتِهِ، والانقيادِ لرسلِهِ.

وقد وردَتْ أحاديثٌ متواترةٌ في كيفيَّةِ احتضارِ المؤمنِ والكافرِ عند الموتِ،

وهي مقرَّرةٌ عندَ قولِهِ تَعالَى:

{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }:
[ إبراهيم: 27 ]


يقولُ اللهُ تَعالَى:
( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) ( 94)

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ْ}:
أي: يقالُ لهُم يومَ معادِهِم هذا،

كما قالَ:
{ وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }:
[ الكهف: 48 ]

أي: كما بدَأْناكُم أعدْناكُم،
وقد كنْتُم تُنكِرُون هذا اليومَ وتستبعدونَهُ.

{ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ }:
أي: من النِّعمِ والأموالِ التي اقتنيتُمُوها في الدَّارِ الدُّنيا،
وراءَ ظهورِكُم.

وثبتَ في الصَّحيحِ أَّنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قالَ:
" يقولُ ابنُ آدمَ: مالِي مالِيِ، وهل لكَ من مالِكَ إلا ما أكلْتَ فأفنَيتَ، أو لبسْتَ فأبلَيتَ، أو تصدَّقْتَ فأمضَيتَ، وما سوَى ذلكَ فذاهبٌ وتاركُهُ للنَّاسِ"

وقالَ الحسنُ البصريُّ:
يؤتَى بابنِ آدمَ يومَ القيامةِ كأنه بَذَجٌ،
فيقولُ اللهُ - عزَّ وجلَّ- لهُ: أينَ ما جمعْتَ؟
فيقولُ: يا ربِّ، جمعتُهُ وتركتُهُ أوفرَ ما كانَ،
فيقولُ: فأينَ ما قدَّمْتَ لنفسِكَ؟
فلا يراهُ قدَّمَ شيئًا.
وتلَا هذهِ الآيةَ:
{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ }

{ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ }:
تقريعٌ لهُم وتوبيخٌ، على ما كانوا اتَّخذُوا في الدَّارِ الدُّنيا
منَ الأندادِ والأصنامِ والأوثانِ،

ظانِّين أنَّ تلك تنفعُهُم في معاشِهِم ومعادِهِم،
إنْ كانَ ثمَّ معادٍ.

فإذا كانَ يومُ القيامةِ تقطَّعَتِ الأسبابُ، وانزاحَ الضَّلالُ،
وضلَّ عنْهُم ما كانوا يفتَرُون،

وينادِيهُم الربُّ، عزَّ وجلَّ:
{ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }:
[ الأنعام: 22 ]

وقيلَ لهُم:
{ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ }:
[ الشعراء: 92، 93 ]

ثمَّ قالَ اللهُ تَعالَى:
{ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ }:
أي: لقد انقطعَ ما بينَكُم منَ الوصلاتِ والأسبابِ والوسائلِ.

{ وَضَلَّ عَنكُم }:
أي: وذهبَ عنْكُم

{ مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }:
منْ رجاءِ الأصنامِ والأندادِ.

كلُّ هذا انتهَى، فقدْ عرفُوا الحقيقةَ، وأنَّهُم كانوا يعيشُون في أوهامٍ.
ولكنْ بعدَ أيِّ شيءٍ؟

كنْتُم تتوقَّعُون وتزعمُون أنَّهُم سينفعونَكُم.

كما قالَ:
{ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ }
[ البقرة: 166، 167 ]

نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ!



سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.




ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق