بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجهُ
التَّاسعُ عشر من سورة المائدة
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ
الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ
صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ ) ( 96)
لمَّا
تكلَّم اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى عنِ الصَّيدِ في الأوجهِ السَّابقةِ،
ولمَّا
كانَ الصَّيدُ يشملُ الصَّيدَ البريَّ والبحريَّ، وضَّحَ واستثنَى اللهُ تَعالَى
الصَّيدَ البحريَّ،
فقالَ:
{
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ }:
أي: أُحلَّ
لكُم -في حالِ إحرامِكُم-
صيدُ
البحرِ، وهو الحيُّ منْ حيواناتِهِ،
وطعامُهُ،
وهو الميِّتُ منْها، فدلَّ ذلكَ على حلِّ مَيْتةِ البحرِ.
{
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ }:
أي:
الفائدةُ في إباحتِهِ لكُم، أنَّهُ لأجلِ انتفاعِكُم، وانتفاعِ رفقتِكُم، الذين
يسيرُون معَكُم.
{
وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا }:
ويؤخَذُ
منْ لفظِ "الصَّيدِ:
أنَّهُ
لا بدَّ أنْ يكونَ وحشيًّا؛ لأنَّ الإنسيَّ ليسَ بصيدٍ.
ومأكولًا؛
فإنَّ غيرَ المأكولِ لا يُصادُ، ولا يطلقُ عليهِ اسمُ الصَّيدِ.
{
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }:
أي: اتَّقُوهُ
بفعلِ ما أمرَ بهِ، وتركِ ما نهَى عنْهُ،
واستعينُوا
على تقوَاهُ، بعلمِكُم أنَّكُم إليهِ تُحشَرُونَ.
ونحنُ
نقولُ دائمًا أنَّ اليقينَ بالبعثِ والجزاءِ، اليقينَ بأنَّنا سنُجازَى على ما
قدَّمنا،
فهذا
يدعُو إلى العملِ الصَّالحِ،
ولذلكَ
يقولُ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى:
{
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
فيجازِيكُم،
هلْ قمْتُم بتقواهُ، فيثيبَكُم الثَّوابَ الجزيلَ،
أم لم
تقومُوا بها، فيعاقبَكُم؟.
نسألُ
اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يعينَنا على فعلِ الطَّاعاتِ، واجتنابِ المنْكراتِ!
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ
الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ
وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (
97)
يخبرُ اللهُ
تَعالَى أنَّهُ جعلَ:
{
الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ }:
يقومُ
بالقيامِ بتعظيمِهِ دينَهُم ودُنياهُم،
فبذلكَ
يتمُّ إسلامُهُم، وبهِ تُحطُّ أوزارُهُم، وتحصلُ لهُم - بقصدِهِ - العطايَا
الجزيلةُ، والإحسانُ الكثيرُ، وبسببِهِ تُنفقُ الأموالُ.
ويجتمعُ
فيه منْ كلِّ فجٍّ عميقٍ، جميعُ أجناسِ المُسلِمِين، فيتعارفُون ويستعينُ بعضُهُم
ببعضٍ، ويتشاورُون على المصالحِ العامَّةِ.
قالَ
اللهُ تَعالَى:
{
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }:
ومنْ
أجلِ كونِ البيتِ قيامًا للنَّاسِ، قالَ منْ قالَ منَ العلماءِ:
إنَّ
حجَّ بيتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فرضُ كفايةٍ في كلِّ سنةٍ.
فلو تركَ
النَّاسُ حجَّهُ، لَأثِمَ كلُّ قادرٍ،
بل لو
تركَ النَّاسُ حجَّهُ، لَزالَ ما بهِ قوامُهُم، وقامَتِ القيامةُ.
وقولُهُ:
{
وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ }:
وكذلكَ
جعلَ الهديَ والقلائدَ -التي هي أشرفُ أنواعِ الهَديِ- قيامًا للنَّاسِ، ينتفعُون
بهِما، ويُثَابُون عليهِما.
القلائدُ:
هي نوعٌ من أنواعِ الهَدي، لكنَّها أشرفُها،
لذلكَ
قالَ الله عزَّ وجلَّ: الهَديَ مُجملًا، والقلائدَ: خصَّها تفصيلًا.
{
ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }:
فمِنْ
علمِهِ، أنْ جعلَ لكُم هذا البيتَ الحرامَ، لما يعلمُهُ منْ مصالِحِكُم الدِّينيَّةِ
والدُّنيويَّةِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( 98)
{
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }:
أي:
ليكُنْ هذان العِلمَان موجودَين في قلوبِكُم على وجهِ الجزمِ واليقينِ:
- تعلمُون
أنَّهُ شديدُ العقابِ العاجلِ والآجلِ على منْ عصَاهُ،
- وأنَّهُ
غفورٌ رحيمٌ لمنْ تابَ إليهِ وأطاعَهُ.
فيثمرُ
لكُم هذا العلمُ، الخوفَ منْ عقابِهِ، والرَّجاءَ لمغفرتِهِ وثوابِهِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( مَّا عَلَى الرَّسُولِ
إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) ( 99)
{ مَا
عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ }:
وقد
بلَّغَ كما أُمِر، وقامَ بوظيفتِهِ.
{
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }:
فيجازِيَكُم
بما يعلمُهُ اللهُ تَعالَى منْكُم، وفي قلوبِكُم.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( قُل لَّا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا
اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( 100)
{ قُلْ
}:
للنَّاسِ
مُحذِّرًا عن الشَّرِّ، ومُرغِّبًا في الخيرِ:
{ لَا
يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ }:
منْ كلِّ
شيءٍ،
فلا
يستوِي الإيمانُ والكفرُ،
ولا
الطَّاعةُ والمعصيةُ،
ولا
أهلُ الجنَّةِ وأهلُ النَّارِ،
ولا
الأعمالُ الخبيثةُ والأعمالُ الطَّيِّبةُ،
ولا
المالُ الحرامُ بالمالِ الحلالِ.
{
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ }:
فإنَّهُ
لا ينفعُ صاحبَهُ شيئًا، بل يضرُّهُ في دينِهِ ودُنياهُ.
حتى لو
أعجبَك شكلُهُ أو منظرُهُ، أو اطمأنَّ قلبُك لكثرتِهِ، أو اِستحسنَهُ النَّاسُ،
وكانَ جميلًا في أعينِهِم، وكانَ أكثرُهُم يعملُون بِهِ،
فما
دامَ خبيثًا فسيظلُّ خبيثًا، فلا تتغيَّرُ الأسماءُ، ولا الألفاظُ.
ثمَّ
انتقلَ اللهُ مخاطبًا ذوِي العقولِ، أهلِ الألبابِ، فاعمِلُوا عقولَكُم:
{
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }:
فأمَرَ
أُولِي الألبابِ، أهلَ العقولِ الوافيةِ، والآراءِ الكاملةِ،
فإنَّ
اللهَ تَعالَى يوجِّهُ إليهِم الخطابَ.
وهُم
الذين يُؤبَهُ لهُم، ويقومون بِهِ، ويُرجَى أنْ يكونَ فيهِم خيرٌ.
ثمَّ
أخبرَ أنَّ الفَلَاحَ متوقِّفٌ على التَّقوَى،
التي
هي موافقةُ اللهِ عزَّ وجلَّ في أمرِهِ ونهيِهِ،
فمَنْ
اتَّقَاهُ أفلحَ كلَّ الفلاحِ،
ومنْ
تركَ تقوَاهُ حصلَ لهُ الخسرانُ المبينُ، وفاتَتْهُ الأرباحُ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا
عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) ( 101)
هذهِ -
أيَّها الإخوةُ- قاعدةٌ قرآنيَّةٌ ربانيَّةٌ: النَّهيُ عن كثرةُ السُّؤالِ عن
أمورٍ ليسَ لها فائدةٌ في دينِنا أو دُنيانا،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ
أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }:
فلا
تفتِّشُوا عن أبنائِكُم وأزواجِكُم، لا تنقِّبُوا عن أمورٍ لو وصلتْكُم لآذَتْكُم
وأساءَتْكُم،
كنْ مُتغافِلًا
دائمًا، بقدرِ ما تستطيعُ.
إذا
لمسْتَ ما لمسْتَ من الخطأِ، فوجِّه توجيهًا غيرَ مباشرٍ،
كنْ
واعِيًا قريبًا،
لا
تغفلْ الغفلةَ السَّيِّئَةَ، بلْ تغافلِ التَّغافلَ الطَّيِّبَ الحسَنَ،
كنْ
الذي يعلمُ، ويظهِرُ للنَّاسِ أنَّهُ لا يعلمُ،
وجِّهْ
توجيهًا بعيدًا، لكنْ لا تفتِّشْ جوَّالًا، ولا تفتحْ دفترًا، ولا تنقِّبْ عن أمرٍ
أبدًا، - هذه نصيحةٌ-
إنَّما
هي دُنيا، فمَنْ أحسنَ أحسنَ لنفسِهِ، ومن أساءَ فعليهَا،
إذا
لاحظْتَ ما لاحظْتَ فوجِّهْ وانصحْ نصحًا غيرَ مباشرٍ،
كانَ
هذا منهجُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وطريقتُهُ.
ينهَى
اللهُ عبادَهُ المُؤمِنِين عن سؤالِ الأشياءِ التي إذا بُيِّنَتْ لهُم ساءَتْهُم
وأحزنَتْهُم،
وذلكَ:
-
كسؤالِ بعضِ المُسلِمِين لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عن آبائِهِم،
وعنْ حالِهِم في الجنَّةِ أو النَّارِ،
فهذا
ربمَّا أنَّهُ لو بُيِّنَ للسَّائلِ، لم يكنْ لهُ فيهِ خيرٌ،
فلا
تسألْ عن أمورٍ تتوقَّعُ أنَّ إجابتَهَا سيِّئةٌ، وتؤلمْك.
- وكسؤالِهِم للأمورِ غيرَ الواقعةِ.
- وكالسُّؤالِ الذي يترتَّبُ عليهِ تشديداتٌ في الشَّرعِ، ربَّما
أحرجَتِ الأمَّةَ،
- وكالسُّؤالِ عمَّا لا يعنِي،
فهذه
الأسئلةُ، وما أشبهُهَا هي المنْهِيُّ عنْهَا،
فلا
تسألْ عن كلبِ أهلِ الكهفِ، أو اسمِ أو شكلِ البقرةِ التي ذبحَها بنُو إسرائيلَ،
فهذهِ الأسئلةُ لا تُغنِي ولا تُسمنُ من جوعٍ.
وأمَّا
السُّؤالُ الذي لا يترتَّبُ عليهِ شيءٌ منْ ذلكَ، فهذا مأمورٌ بهِ،
كالأمورِ
والأحكامِ الشرعيَّةِ، أمورِ دينِك وعقيدتِك.
اللهُ
عزَّ وجلَّ أمرَنا بذلكَ، فقالَ تَعالَى:
{
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
{
وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ }:
أي:
وإذا وافقَ سؤالُكُم محلَّهُ، فسألْتُم عنْها حين ينزَّلُ عليكُم القرآنُ،
فتسألُون
عن آيةٍ أشكَلَتْ، أو حكمٍ خفيَ وجهُهُ عليكُم،
في وقتٍ
يمكنُ فيه نزولُ الوحيِ منَ السَّماءِ، تُبيَّنُ لكُم، وتظهرُ.
{
عَفَا اللَّهُ عَنْهَا }:
أي:
سكتَ عنها معافيًا لعبادِهِ منْها،
ليس
غفلةً أو عدمَ علمٍ منْهُ - سُبحانَهُ،
{
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }:
أي: لم
يزلْ بالمغفرة موصوفًا، وبالحلمِ والإحسانِ معروفًا،
فتعرَّضُوا
لمغفرتِهِ وإحسانِهِ، واطلبُوهُ منْ رحمتِهِ ورضوانِهِ.
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن
قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ) ( 102)
وهذهِ
المسائلُ التي نُهيْتُم عنْها:
{ قَدْ
سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ }:
أي:
جنسِها وشبهِها، سؤالَ تعنُّتٍ لا استرشادٍ.
فلما بُيِّنَتْ
لهُم، وجاءَتْهُم:
{
أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ }:
كما
قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في الحديثِ الصَّحيحِ:
"ما
نهيْتُكُم عنْهُ فاجتنبُوهُ، وما أمرْتُكُم بهِ فأتُوا منْهُ ما استطعْتُم، فإنَّما
أهلكَ منْ كانَ قبلَكُم كثرةُ مسائلِهِم، واختلافِهِم على أنبيائِهِم".
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن
بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )
( 103)
هذا ذمٌّ
للمشرِكين الذين شرَّعُوا في الدِّينِ، ما لم يأذنْ بهِ اللهُ، وحرَّمُوا ما أحلَّهُ
اللهُ،
فجعلُوا
بآرائِهِم الفاسِدةِ شيئًا منْ مواشِيهِم محرَّمًا،
على
حسبِ اصطلاحاتِهِم، التي عارضَتْ ما أنزلَ اللهُ،
فقالَ:
{ مَا
جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ }:
وهي:
ناقةٌ يشقُّون أذنَها، ثم يحرِّمُون ركوبَها، ويرَونَها مُحترمةً.
{
وَلَا سَائِبَةٍ }:
وهي:
ناقةٌ، أو بقرةٌ، أو شاةٌ، إذا بلغَتْ شيئًا اصطلحُوا عليهِ، سيَّبُوها،
فلا ترُكَبُ
ولا يُحمَلُ عليها ولا تُؤكَلُ،
وبعضُهُم
ينذُرُ شيئًا منْ مالِهِ يجعلُهُ سائبةً، فيتركَهُ ولا يستخدمَهُ.
{
وَلَا حَامٍ }:
أي:
جملٌ يُحمَى ظهرُهُ عن الرُّكوبِ والحَملِ، إذا وصلَ إلى حالةٍ معروفةٍ بينَهُم.
فكلُّ
هذِهِ مما جعلَها المُشرِكُون محرَّمةً، بغيرِ دليلٍ ولا برهانٍ.
وإنَّما
ذلكَ افتراءً على اللهِ، وصادرةً منْ جهلِهِم وعدمِ عقلِهِم،
ولهذا
قالَ:
{
وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْقِلُونَ }:
فلا
نقلَ فيها ولا عقلَ.
سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ،
أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهمَّ اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ
تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا مُحمَّد وعلى
آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق