الاثنين، أكتوبر 17، 2016

تفريغ سورة الأعراف من آية 1 إلى آية 11




الوجه الأول من سورة الأعراف
 
يقول الله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيم
(المص، كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ)
 
يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبيناً له عظمة القرآن: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أي: كتاب جليل عظيم، فيه الرحمة و البيان و الهدى، حوى كل ما يحتاج إليه العباد، وجميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية، محكماً مفصلاً.

{فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} أي: لا يكن في صدرك ضيق، و لا شك، و لا حرج و لا اشتباه، هذا الكلام يقوله الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم فكيف بقلوبنا؟! نسأل الله أن يعفو عنا ويغفر لنا و أن يزيدنا إيمانا يا ذا الجلال والإكرام.
 
بل لتعلم أنه تنزيل من حكيم حميد
(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42]، وأنه أصدق الكلام فلينشرح له صدرك، ولتطمئن به نفسك، ولتصدع بأوامره ونواهيه، ولا تخش لائماً ولا معارضاً.



{لِتُنْذِرَ بِهِ}
الخلق، فتعظهم وتذكرهم، فتقوم الحجة على المعاندين.

{وَ} ليكون {ذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

كما قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55]، يتذكرون به الصراط المستقيم، وأعماله الظاهرة والباطنة، وما يحول بين العبد، وبين سلوكه.
 

ثم يقول تعالى:
(اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)
خاطب اللّه تعالى العباد، وألفتهم إلى الكتاب فقال:
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}
أي: الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم، لحاجتكم إليه.

وهو: {مِنْ رَبِّكُمْ} الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل الله عزوجل عليكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه، كملت تربيتكم، وتمت عليكم النعمة، وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها

{وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}
أي: تتولونهم، وتتبعون أهواءهم، وتتركون لأجلها الحق.
{قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}: فلو تذكرتم وعرفتم المصلحة، لما آثرتم الضار على النافع، والعدو على الوليِّ.


ثم قال تعالى:
(وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)
ثم حذرهم الله تعالى عقوباته للأمم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم، لئلا يشابهوهم  فقال: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} أي: عذابنا الشديد
{بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} أي: في حين غفلتهم، وعلى غرتهم غافلون، لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب لم يدفعوه عن أنفسهم، ولا أغنت عنهم آلهتهم التي كانوا يرجونهم، ولا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي.
 
ثم قال تعالى:
(فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)
كما قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ، لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) [الأنبياء:11-15]
 
ثم قال تعالى:
(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)
قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} أي: لنسألنّ الأمم الذين أرسل اللّه إليهم المرسلين، عما أجابوا به رسلهم، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65].
{وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}: عن تبليغهم لرسالات ربهم، وعما أجابتهم به أممهم.
ثم قال تعالى:
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)
{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ} أي: على الخلق كلهم ما عملوا، {بِعِلْمٍ} منه تعالى لأعمالهم.
{وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} في وقت من الأوقات، لا نسألهم لأننا محتاجين لهم، كلا {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} سنخبرهم بأننا نعلم كل شيء {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}. و قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [المؤمنون:17]
 
ثم ذكر الجزاء على الأعمال، فقال:
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ)
أي: {وَالْوَزْنُ} يوم القيامة يكون بالعدل والقسط، الذي لا جور فيه ولا ظلم بوجه من الوجوه.

{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}: بأن رجحت كفة حسناته على سيئاته {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: الناجون من المكروه، المدركون للمحبوب، الذين حصل لهم الربح العظيم، والسعادة الدائمة.

{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}: بأن رجحت سيئاته، وصار الحكم لها، {فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} إذ فاتهم النعيم المقيم، وحصل لهم العذاب الأليم؛ {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} فلم ينقادوا لها كما يجب عليهم ذلك.


ثم قال تعالى:
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)
يقول الله تعالى ممتناً على عباده بذكر المسكن والمعيشة: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: هيأناها لكم، بحيث تتمكنون من البناء عليها وحرثها، ووجوه الانتفاع بها.
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} مما يخرج من الأشجار والنباتات، ومعادن الأرض، وأنواع الصنائع والتجارات، فإنه هو الذي هيأها، وسخر أسبابها.
{قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} اللّه، الذي أنعم عليكم بأصناف النعم، وصرف عنكم النقم .


ثم قال تعالى:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)
يقول الله تعالى مخاطباً لبني آدم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} بخلق أصلكم ومادتكم التي منها خرجتم: أبيكم آدم عليه السلام

{ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} في أحسن صورة، وأحسن  تقويم، وعلّمه الله تعالى ما به تكمل صورته الباطنة، أسماء كل شيء، فأحسن صورته كلها سواء الظاهرة أم الباطنة، حسن الصورة في الشكل الخارجي و خلقه في أحسن تقويم، وعلمه جميع الأسماء  لتكتمل الصورة الباطنة.



ثم أمر الملائكة الكرام أن يسجدوا لآدم، إكراماً واحتراماً، وإظهاراً لفضله، فامتثلوا أمر ربهم، {فَسَجَدُوا} كلهم أجمعون {إِلَّا إِبْلِيسَ} أبى أن يسجد له، تكبرا عليه وإعجابا بنفسه، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نعوذ بالله من وسوسته.


سبحانك اللهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك و أتوب إليك
و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.




ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق