ِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الوجه الخامس عشرمن سورة الأعراف
يقول الله تعالى :
( قَالُوا آمَنا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ )
(121-122)
تتحدث الآيات عن قصة موسى عليه السلام
أي: صدقنا بما بعث به موسى من الآيات البينات ، آمنا بالله ، آمنا برب العالمين .
( قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (123)
ف { قال } لهم {فِرْعَوْنُ } متهددا على الإيمان لما أمنوا
: { آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } يريد منهم عدم تغيير عقيدتهم إلا بإذنه .
العقيدة عندما تدخل الإيمان ، جميع التحديات أو جميع ما كانت تواجه المؤمن حينما يؤمن ويعتقد بالله عزوجل تسقط ،
فحينها جميع التحديات لا يراها تحديات بل يراها أمور تافهة ،
فهم يرون فرعون نظرة التعظيم عندهم وأنه إله ،
ولكن عندما وقع الإيمان في قلوبهم نزل من منزلته وأصبح بمنزله شيء تافه جدا بأعينهم ،
هذا هو الإيمان إذا دخل الإيمان بالله عزوجل القلب ، يرى جميع الأمور الأخرى أمور تافهة صغيرة ، سوآء من ناس أو نجاح
من أي أمر كان ، بما أنه أمر دنيوي لا يتعلق برضا الله سبحانه و تعالى فهو يرى أنه تافه .
تعجب فرعون لأنه كان ينظر لنفسه نظرة علو ، فتعجب كيف تؤمنون ولا تخبروني بذلك ؟
فهو لم يجرب الإيمان ولم يعرفه ، فهو لا يعلم ما وقر في قلوبهم أصلا ، دخل في قلوبهم شيء عظيم وهو تعظيم الله سبحانه وتعالى ، وقر الايمان في قلوبهم لذلك كل الأمور التي كانوا يرونها عظيمة تساقطت ، فهذا هو الإيمان .
فرعون يتوقع أنهم مازالوا على ما هم عليه بنفس القلب ، ولكن الحقيقة خلاف ذلك ، فالإيمان إذا دخل القلب تغير تماما .
فكان الخبيث حاكما مستبدا على الأبدان والأقوال ،
قد تقرر عنده وعندهم أن قوله مطاع وأمره نافذ فيهم ولاخروج لأحد عن قوله وحكمه .
ولكن لما يدخل الأيمان تتكسر جميع القيود
[فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ] . (سورة الزخرف)
{ قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ }
فهذا سوء أدب منكم وتجرؤ علي وهو يظن إلى الأن أنّ مكانته على ماهي عليه ،
ثم موه على قومه فقال :
{ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ }
الأن وضع أنّ هذا الموضوع كله كان مكرا من موسى عليه السلام وبين السحرة قبل أن يأتي موسى إلى فرعون ،
وإن فرعون ليعلم أنه كاذبا ، وإن هذا ليس مكرا ولكن يريد أن يموه قومه ، يريد أن تبقى مكانته على ماهي عليه .
{ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها } إن موسى كبيركم الذي علمكم السحر ، فتواطأتم أنتم وهو على أن تنغلبوا له ،فيظهر فتتبعوه ، ثم يتبعكم الناس أو جمهورهم .
وهذا كذب ويعلم هو أنه كذب ومن سبر الأحوال ،
أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يجتمع بأحد منهم ولا يعرفهم وأنهم جمعوا على نظر فرعون ورسله ، وأن ما جاء به موسى آية إلهية .
ولكن عندما تسقط الجبابرة يبحثون عن حيل تبقي مكانتهم ، لكن ليس دائما تبقى الحيلة ولا نستطيع دائما التحايل على قلوب الناس والخديعة لا بد أن تنكشف يوما وتسقط الأقنعة . فلذلك من ألبس الناس أقنعة فسيظهر الشخص على حقيقته وتسقط الأقنعة ، فسقط فرعون لأنه كان يلبس اقنعه كثيرة وسقط قناعه .
{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما أحل بكم من العقوبة .
( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ )
( 124)
{ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ } هؤلاء الجبّارين عندما يقتربون من السقوط يفعلون هذا ،
زعم الخبيث أنهم مفسدون في الأرض ، وسيصنع بهم ما يصنع بالمفسدين، من تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، آي اليد اليمنى والرجل اليسرى.
{ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ }: في جذوع النخل لتختزوا بزعمه
{ أَجْمَعِينَ } : تهديد لكن يبقى تهديد جسدي لآن الإيمان اذا وقر في القلب لا تستطيعون فعل شيء
( قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ) (125)
فقال السحرة الذين آمنوا لفرعون حين تهديدهم :
{ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ } هذه هي العقيدة القوية ،عندما تستقر في القلب ، فلا نبالي بعقوباتك، فالله خير وأبقى، فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ،
( وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا وَتَوَفَّناَ مُسٌلِمِينَ ) (١٢٦)
{ وَما تَنْقِمُ مِنَّا } أي وما تعيب منا على إنكارك علينا
وتوعدك لنا ؟ فليس لنا ذنب
{ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا } هؤلاء طغاة يحاربون الإيمان يحاربون المؤمنون بالله عز وجل ليس فقط فرعون ،
فإذا كان هذا ذنب يعاب عليه، ويستحق العقوبة، فهو ذنبنا.
{ رَبَّنا أَفْرِغْ } : دعوا الله أن يثبتهم ويصبرهم لانهم سيكونون في معركة عظيمة ، وهنا لم يقوموا بمدح أنفسهم بأنهم قادرين على تحمل هذه المحنة بل تبرءوا من حولهم وقوتهم.
{عَلَيْنا صَبْرًا } عظيما ، كما يدل عليه التنكير ، لأن هذه محنة عظيمة ،والمحن العظيمة لابد أن يجهز الانسان فيها نفسه .
فأي فتن أعظم من الفتن التي تمر بنا ، فالفتن الآن تموج موجا ،
آي عظيما كما يدل عليه التنكير ، لأن هذه محنة عظيمة ،
تؤدي إلى ذهاب النفس ، فيحتاج إلى الكثير من الصبر ، ليثبت به الفؤاد ، ويطمئن المؤمن على إيمانه ، ويزول عنه الانزعاج الكثير.
{ وَتَوَفَّناَ مُسٌلِمِينَ } منقادين لأمرك ، متبعين لرسولك، والظاهر أنه أوقع بهم ما توعدهم عليه، وأن الله تعالى ثبتهم على الإيمان .
وهذا و فرعون وملأه وعامتهم المتبعون للملأ، قد استكبروا عن آيات الله وجحدوا بها ظلما وعلوا، وقالوا لفرعون مهيجين له على الإيقاع بموسى وزاعمين أن ما جاء باطل وفساد.
( وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) (127)
{ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ }
هؤلاء البطانة ودائما البطانة الفاسدة يكون أثر سيء على القائد أتذر موسى وقومه يفسدون في الأرض بالدعوى إلى الله، وإلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال التي هي الصلاح في الأرض وماهم عليه من الفساد ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون .
{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } ويدعك أنت وآلهتك وينهى عنك ويصد الناس عن اتباعك.
فـ { قالَ } فرعون مجيبا لهم ، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى بحالة لا يئمنون فيها ، ويأمن فرعون وقومه – بزعمه – من ضررهم .
{ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ } نستبقيهن فلا نقتلهن ، فإذا فعلنا ذلك أمنا من كثرتهم وكنا مستخدمين لباقيهم ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال .
{ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ } لا خروج لهم عن حكمنا ولا قدرة ، وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة .
( قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (128)
فـ { قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ } قال موسى موصيا لهم في هذه الحالة ، التي لا يقدرون معها على شيء ، ولا مقاومة - بالمقاومة الإلهية ، والاستعانة الربانية .
{ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ } أي اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم ودفع ما يضركم وثقوا بالله أنه سيتم أمركم .
{ وَاصْبِرُوا } أي الزموا الصبر على ما يحل بكم ، منتظرين للفرج .
{ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ } ليست لفرعون و لا لقومه حتى يتحكموا فيها
{ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ } أي يداولها بين الناس حسب مشيئته وحكمته ولكن العاقبة للمتقين
{ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } والعاقبة .. الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد أنه عند القدرة ، أن يفعل من
الأسباب الدافعة عنه أذى الغير ، ما يقدر عليه ، وعند العجز، أن يصبر ويستعين الله وينتظر الفرج.
( قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قَالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )(129)
{ قالُوا } لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون وأذيته .
{ أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا } فإنهم يسوموننا سوء العذاب ،.يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا .
{ وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا } كذلك فـ { قالَ } لهم موسى مرجيا لهم الفرج والخلاص من شرهم.
{ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ}
يمكنكم فيها ، ويجعل لكم التدبير فيها .
{ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } هل تشكرون أم تكفرون ؟ وهذا وعد أنجزه الله لما جاء الوقت الذي أراده الله ..
قال تعالى في بيان ما عامل به آل فرعون في هذه المدة الأخيرة ،أنها عادته وسنته في الأمم أن يأخذهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون .
( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (130)
{ وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ } أي : بالدهر والجدب.
{ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي : يتعظون أن ماحل بهم وأصابهم معاتبة من الله لهم ، لعلهم يرجعون عن كفرهم ، فلم ينجح فيهم ولا أفاد ، بل استمروا على الظلم والفساد ..
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
سبحانك اللهم وبحمده أشهد أن لا إله الا الله أستغفرك وأتوب اليه.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق