الثلاثاء، أكتوبر 06، 2015

تفريغ سورة البقرة من آية 58 إلى آية 61



 [ الوجه الثّامن من سورة البقرة ]


يقول تعالى
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً ) 

* يذكر الله عزّ وجل النّعمة التّاسعة التي أنعم الله بها على بني إسرائيل
وهي عودتهم من التّيه ودخولهم القرية التي هي بيت المقدس ، آكلين ، هانئين ، شاربين مريئًا ، ساجدين ، خاضعين ،
مبتهلين إلى الله وحده شكرًا لله على خلاصهم من التّيه .


-  " وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية "

يُقصد بها بيت المقدس .



-  " فكلوا منها حيث شئتم رغدا "

آكلين هنيئًا ، شاربين مريئًا .



( وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ )

 طلب الله عزّ وجل من بني إسرائيل أن يدخلوا الباب
أو يدخلوا بيت المقدس سُجدًا ،

فإذا فعلتم هذا نحن أعطيناكم ؛
الأمر الذّي حصل هو خلاف ذلك ،


فبدّل الذّين ظلموا قولًا غير الذّي قيل لهم ، لما قال الله عزّ وجل " وقولوا حطّة نغفر لكم خطاياكم "
 ادخلوا خاضعين ، ذليلين بالقول

" وقولوا حطّة "
يعني أن يحطّ عنهم خطاياهم بسؤالهم إيّاه مغفرته

"نغفر لكم خطاياكم "
هذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى بسؤالكم المغفرة

ثمّ قال بعدها سبحانه بفضله وكرمه وجوده
" وسنزيد المحسنين "
ثمّ إذا زدتم إحسانًا نحن نزيدكم وسنزيد المحسنين بأعمالهم جزاءً عاجلًا وآجلًا ، لكنّ الذّي حصل خلاف ذلك .

 ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون )

 قال فبدّل الذين ظلموا ، لم يقل فبدّلوا كلّهم ولم يقل فبدّلوا لأنّهم لم يكونوا كلّهم بدّلوا ،
ولكنّ الله عزّ وجل سبحانه عادل لا يعمّم جلّ وعلا ،

الذّين ظلموا فقط هم الذّين بدّلوا قولًا غير الذّي قيل لهم مع أنّه العدد الأكثرية إلا أنّ الله عزّ وجل لم يعمّم بل خصص .
 " قولًا غير الذّي قيل لهم "  فقالوا بدل مايقولوا حطّة
قالوا: [ حبة في حنطة ] استهانةً بأمر الله تعالى واستهزاءً به ،
وإذا بدّلوا القول مع خفّته فتبديلهم للفعل من باب أولى ،
القول سهل مع ذلك بدلوه فكيف بالفعل ؟ 
 ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم .

ولما كان هذا الطّغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله عزّ وجل بهم  قال ( فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون )
 
أي عذاب من السّماء بسبب فسقهم وبغيهم .

* النّعمة العاشرة :
( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنا )

نعمة سقياهم حينما عطشوا من شدّة الحرّ في التّيه ،
فطلبوا من موسى السّقيا ، فكانت آيةً لموسى أن ينفجر الماء بقوّة من حجر ضربه بعصاه ؛ فخرجت منه اثنتا عشرة عينًا وهم ذرّية أبناء يعقوب ، إثنا عشر سبطًا وهم ذرّية أبناء يعقوب .

إذاً النّعمة التّاسعة : هي نعمة عودتهم من التّيه ودخولهم القرية ،
و النّعمة العاشرة : هي طلبهم السّقيا وأعطاهم الله السّقيا ولم يعطيهم أي سقيا بل أعطاهم بعدد قبائل بني إسرائيل ،
فطلبوا من موسى السّقيا فكانت آية لموسى أن ينفجر الماء بقوة من حجر ضربه بعصا ؛ فخرجت منه اثنتا عشرة عينًا لكلّ جماعة منهم عينًا يشربون منها ،
حتّى لا تقع بينهم الشّحناء وكان عددهم اثنا عشرة سبطًا ؛
وهم ذرّيّة أبناء يعقوب الإثني عشر .

ولا نعلم ماهو هذا الحجر ،

هل هو حجر مخصوص معلوم عنده ؟ أم هو اسم جنس ؟

وقبائل بني إسرائيل اثنا عشر قبيلة .



( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْوَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )



 وهذه نعمة عظيمة أي محلّهم الذّي يشربون عليه من هذه الأعين، فلا يزاحم بعضهم بعضًا بل يشربون متهنئين لا متكدّرين، ولا يحصل بينهم مزاحمة ولا يحصل بينهم كدرٌ ،
ولا يحصل بينهم نزاع  " كلوا واشربوا من رزق الله "

 الذّي آتاكم من غير سعي ولا تعب . 


ثمّ طلب الله عزّ وجل منهم فقال : " ولا تعثوا "
أي لا تخرّبوا على وجه الإفساد ،
وهذي آخر نعمة  ذكرها الله عزّ وجل ؛
النّعم التّي ذكرها الله عزّ وجل التّي ذكرها في هذه السّورة انتهت بالنّعمة العاشرة .
ثمّ قال الله بعدها يتكلّم عن بني إسرائيل

 يقول ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ ) 

وهذا يدلّ على دناءتهم وخسّتهم ، ويدلّ على استبدالهم الأدنى بالأعلى ، ويذكر الله عزّ وجل في الآية أسباب استحقاقهم :
الذّلة والغضب .

فهم يقصدون المنّ والسّلوى ، وكما ذكرنا  أنّ السّلوى طائرٌ صغير اسمه السُّماني طيّب الّلحم ،
والمنّ : قيل العسل ، وقيل أنّه الذّي يحصل رزق بلا تعب ،
ومنه الزّنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك .

( فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا )

 طلبوا أسوأ الأمور وأدنى الأكل وأقل الأكل ،
- البقل : هو النّبات الذي ليس بشجر يقوم على ساقه
- والقِثّاء : الخيار ، والفوم : المعروف بالثّوم
 والعدس والبصل 

قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ )

يقصد موسى الأطعمة المذكورة التّي ذكرتموها بالذّي هو خير ؛ وهو المنّ والسّلوى ، فهذا غير لائق بكم ، فإنّ هذه الأطعمة التّي طلبتموها أي مصر هبطتموه وجدتموها ، أي مكان أي دولة أي بقعة نزلتموها تجدون هذه الأشياء ، فهي لا تحتاج أن تطلبوا من موسى أن يدعو لكم هذا الدّعاء ،
وهذا يدل على خسّتهم وعلى دناءتهم . 
لا تطلبوا من موسى إلا أمرٌ كبير يدعوه لكم .

 وأما طعامكم الذي منّ الله به عليكم فهو خير الأطعمة وأشرفها فكيف تطلبون به بدلًا ؟

ولمّا كان الذّي جرى منهم أكبر دليل على قلّة صبرهم واحتقارهم لأوامر الله تعالى ونعمه ، جازاهم من جنس عملهم

فقال تعالى ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون )

فنشاهد حتّى في  ظاهر أبدانهم فيه ذلّة والمسكنة بقلوبهم ،
فلم تكن أنفسهم عزيزة ولا لهم همّة عالية بل أنفسهم أنفس مهينة، وهممهم أردى الهمم ، وباؤوا بغضب من الله ،
هذا من الله عزّ وجل

هم ذليلين ، في قلوبهم مسكنة ، هذه حقيقه ذكرها الله عزّ وجل في كتابه ، وباؤوا بغضب من الله : لم تكن غنيمتهم التّي رجعوا بها  إلا أن رجعوا بسخطه عليهم ،
 فبئس الغنيمة غنيمتهم وبئس الحال حالهم ،
  استحقوا به غضبه ، لماذا ؟
1- لأنّهم كانوا يكفرون بآيات الله . 

2 - السّبب الثّاني :
كانوا يقتلون النبيين بغير الحقّ ،

وكما هو معلوم أن قتل الأنبياء ليس بحقّ لكن هذا زيادة شناعة
في وصفهم
" ذلك بما عصوا " أي ذلك بما ارتكبوا من معاصي الله سبحانه وتعالى وكانوا يعتدون على عباد الله ، فإنّ المعاصي يجرّ بعضها بعضًا ،
فبداية المعصية غفلةً ،
ثمّ ينشأ عنها ذنب صغير ،
ثمّ ينشأ عنها ذنبٌ كبير ،
ثمّ ينشأ عنها أنواع البدع ،
ثمّ ينشأ عنها الكفر وغير ذلك ،
فنسال الله العافية من كلّ بلاء .

والخطاب في هذه الآية لأمّة بني إسرائيل الذّين كانوا موجودين وقت نزول القرآن ،
هذه الأفعال المذكورة خوطبوا بها وهو فعل أسلافهم 
فما ما الفائدة ؟

أنّهم كانوا يمتدحون ويزكّون أنفسهم ويزعمون فضلهم على محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ومن آمن به فبيّن الله تعالى من أحوال سلفهم التّي تقرّرت عندهم ما يبيّن له أنّهم ليسوا من أهل الصّبر ومكارم الأخلاق ومعالي الأمور
ومنها أنّ نعمة الله تعالى على المتقدمّين منهم نعمة واصلة للمتاخرّين والنّعمة على الآباء نعمة على الأبناء فخوطبوا بها لأنّها نعم تشملهم وتعمّهم ،
ويخاطب الله عزّ وجل قلوبهم لعلّهم يؤمنون ، فهو الآن يُذكّرهم بالنّعم التي أنعم بها على أسلافهم .

 إنّ الخطاب لهم بأفعال غيرهم مما يدلّ على أنّ الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها ، حتّى كأنّ متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد ،
ومنها أن أفعالهم أكثرها لم ينكروها ، والرّاضي بالمعصية شريك للعاصي إلى غير ذلك من الحكم التّي ذكرها الله عزّ وجل ،

قال بعض أهل العلم :
عبيد النّعم كثيرون وعبيد المنعم قليلون .
فالله ذكّرهم بالمنعم فقال تعالى " فاذكروني أذكركم "


ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق