الوجه السادس والعشرون من سورة البقرة
[ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ]( 177 ) .
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)
يعني ليس المقصد والهدف أن يكون وجوهكم قبل المشرق أو المغرب ليس هذا هو البر المقصود من العباد عند الله عز وجل فيكون كثرة البحث فيه والجدال من العناء الذي ليس تحته إلا الشقاق والخلاف وهذا يبين لنا أن أي أمر فيه جدال أ ونقاش لا يصل العبد فيه إلى نقطة معينة من الافضل الانسحاب، وكذلك فيه إشارة في الأية أن أي عمل يضيع الجهد والوقت وفي النهاية لايستفاد منه كثيرا نصيحة (توقف).
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ)
ماهو البر هنا؟!
هنا بدأ الله عز وجل يعدد، يعطينا فائدة ثالثة أنه لابد أن يكون هدفنا عالي ورؤيتنا واضحة، الهدف لابد أن يكون سامي والرؤية تكون واضحة ،وإذا لم تتضح الرؤية توقف حتى تتضح .
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)
فائدة رابعة لا تشتغل بصغائر الأمور عن كبائرها ، فإذا أشغلت نفسك بها قد تكون نتائجك ضعيفة أو غير ملموسة .
إذا ما هو البر هنا ؟
هنا هذه الآية تعتبر قاعده من قواعد الحياة كلها
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)
(وَلَكِنَّ الْبِرَّ)
بدأ الله عز وجل يعدد البر، إذا كنت تسير في طريق وطريقك هذا لن يوصلك إلى ما تريد فتوقف فلا تضع نفسك في جدال ونقاش وفي النهاية لاتصل إلى حل ،
فإذا أقترح عليك الأخرون أمر وأنت لديك أمر آخر كلاهما يصلان الى طريق واحد لا تجادل في الموضوع ولا تتعب نفسك وجسدك وعقلك بل سر خلفهم بما أن النتيجة تكون واحدة ،
فإذا كان صديقك أو صديقتك أو قريبك أو أختك أو أخيك أو زوجك أو زوجتك أو أحد من أهلك يريد شيء معين وأنت تريد خلافه لكن في النهاية النتيجة واحدة لابد من التنازل وأن تسير خلفهم قطعا للجدال والكلام ولأمور لا طائل لها ولا فائدة .
فالبر هو: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)
هذه أول صفة هدف سامي وعالي أن البر الحقيقي هو أنك تصل إلى هذا الشيء بأي طريق كان وبأي صفة كانت بإن الله واحد موصوف بكل صفات الكمال منزه عن كل نقص لابد أن تعرف هذا،
(وَالْيَوْمِ الآخِرِ)
وهو كل ما أخبر الله به في كتابه أو أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من ما يكون بعد الموت ، أي شيء يأتي بعد الموت هذا هو اليوم الأخر يبدأ من وقوع الموت إلى مالا نهاية هذا هو(اليوم الاخر)،
(وَالْمَلائِكَةِ)
هم الذين وصفهم الله عزوجل لنا في كتابه ووصفهم رسوله،
(وَالْكِتَابِ)
جنس الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله، ومن أعظم الكتب كتاب نعرفه وهو القرآن ، فنؤمن به وما تضمنه من الأخبار والأحكام.
(وَالنَّبِيِّينَ)
عموما، وخصوصا خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ،
( وَآتَى الْمَالَ )
وهو كل ما يتموله الإنسان من ماله قليلا كان أو كثيرا،
أي أعطى المال على حبه
فلما قال الله عز وجل:
(عَلَى حٌبِهَّ)
يبين أن المال محبوب للنفوس فلا يكاد يخرجه العبد إلا إذا كان فيه إيمان، فمن أخرجه مع حبه لَهُ تقربا إلى الله تعالى كان له هذا لَهُ برهان لإيمانه ،
إذا نحن ديننا ليس دين إدعاءات فبرهن أنك مؤمن وبرهن على صدق إيمانك من إيتاء المال على حبه أن يتصدق وهو صحيح شحيح يأمل الغنى ويخشى الفقر، وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة كانت أفضل، لأن في هذه الحالة يحب إمساكه لما يتوهم من العدم والفقر ،فإذا أعطى هذا الشيء البسيط الذي يملكه معناه أنه يؤمن أن الله عز وجل سيخلف عليه ويؤمن أن الله يعطيه أكثر ويؤمن أن الله سبحانه وتعالى أعد له أجراَ عظيما ،
عنده يقين لكن الذي يخاف ويتحجج من يعطيني؟
فهذا عنده شك إي يقينه فيه شك، وكذلك إخراج النفيس من المال ،إي ما يحبه من ماله كما قال تعالى:
( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)
وكل هؤلاء ممن أتى المال على حبه ، ثم ذكر الله عز وجل الُمنفق عليهم وهم أولى الناس ببرك وإحسانك ، أختلفت عليك الامور ولم تتضح لك فقط أنظر من هو أولى الناس ببرك وإحسانك ، ومنه تحدد أولوياتك من ذوي القربى الذين تتوجع بمصابهم وتفرح بسرورهم الذين يتناصرون ويتعاقلون ، فمن أحسن البر وأفضله وأفقهه تعاهد الأقارب بالاحسان
وهو على نوعين إحسان مالي وإحسان قولي فتعاهد النوعين كلآ على حسب قربه وحاجته ،
(وَالْيَتَامَى)
من هم اليتامى؟ هم الذين لا كاسب لهم وليس لهم قوة يستغنون بها وهذا من رحمته تعالى على عباده و الدلالة على أنه تعالى أرحم بهم من الوالد بولده،
فالله قد أوصى العباد عليهم وفرض عليهم في أموالهم الإحسان إلى من فقدوا آبائهم ليصيروا كمن لم يفقد والديهم ولأن الجزاء من جنس العمل ،
(وَالْمَسَاكِينَ)
من هم المساكين؟ هم الذين أسكنتهم الحاجه وأذلهم الفقر فلهم حق على الأغنياء بما يدفع مسكنتهم أو يخففها ،
(وَابْنَ السَّبِيلِ)
وابن السبيل هو الغريب المنقطع به في غير بلده ،هو قد يكون غني لكنه منقطع في غير بلده ، فحث الله عباده على إعطاءه من المال مما يعينه على سفره لكونه مظنة الحاجة وكثرة المصارف ،
(وَالسَّائِلِينَ )
الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج توجب السؤال كمن أبتلي بإرش بجناية أو ضريبة عليه ،أو يسأل الناس لتعمير مصالح العامة كالمساجد أو المدارس فهذا له حقآ وإن كان غنياَ لأنه يسأل للمسلمين ،
(وَفِي الرِّقَابِ)
فيدخل فيه العتق والإعانة عليه وبذل مال للمكاتب ليوفي سيده ، وفداء الأسرى عند الكفار أو عند الظلمة
(وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ)
وهي تجمع عبادتين ، عبادة قلبية وعبادة فعلية ،
فالعبادة القلبية هي الصلاة
والعبادة الفعلية هي الزكاة، إقامة الصلاة
لابد أن يكون فيها إخلاص للمعبود،
أما إيتاء الزكاة ففيها السعي وراء حاجة الناس ،
وديننا قائم على هذين الأمرين{إخلاص المعبود وإسعاد الاخرين}
، فإقام الصلاة وإيتاء الزكاة قد تقدم مرارا أن الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة كونهما أفضل العبادات وأكمل القربات عبادات قلبية وبدنية ومالية وبهما يوزن الإيمان ويعرف بما مع صاحبه من الإيقان لما في قلبه من يقين ،
(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)
والعهد هو الالتزام بإلزام الله أو إلزام العبد لنفسه ،
فدخل في ذلك حقوق الله كلها لكون الله ألزم بها عباده والتزامٌها ودخلوا تحت عُهدتُها ووجب عليهم أدائها وحقوق العباد التي أوجبها الله عليهم والحقوق التي ألتزمها العبد كالإيمان والنذور وغير ذلك ،
(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ)
أي الفقراء لأن الفقير يحتاج الى الصبر من وجوه كثيرة لكونه يحصل له من الآلام القلبية والبدنية المستمرة مالم يحدث لغيره ،
فإذا تنعم الأغنياء بما لا يقدر عليه تألم وإن جاع أو جاعت عياله تألم وإن أكل طعاما غير موافق لهواه تألم وإن لبس الناس وهو أصبح عاريا تألم ، وإن نظر إلى ما بين يديه وما يتوهمه من المستقبل الذي يستعد له تألم، وإن أصابه البرد تألم،
(وَالضَّرَّاءِ)
المرض على إختلاف أنواعه من حمى وقروح ورياح ووجع عضو حتى في الضرس والإصبع ونحو
ذلك فإنه يحتاج إلى الصبر لأن النفس تضعف والبدن يألم وذلك في غاية المشقة على النفوس ،
(وَحِينَ الْبَأْسِ)
يعني حين وقت القتال للأعداء المأمور بقتالهم، وبلا شك حين القتال يحتاج المسلم إلى صبر شديد،
أولئك المتصفون بهذه الصفات العظيمة والعقائد الحسنة والأعمال الكبيرة التي هي أثار الإيمان وبرهانه ونوره والأخلاق َالتي هي جمال الإنسان وحقيقته الإنسانية
(أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا )
في إيمانهم لأن أعمالهم صدقت إيمانهم ،
(وَاُوْلَٓئِكَ هُمُ الْمـٌتَّقُـوَنَ)
لأنهم تركوا المحظور وفعلوا المأمور لإن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير، وقد عُلم م ارتب الله عز وجل على هذه الأمور الثلاثة من الثواب الدنيوي و الآخروي.
ثم قال الله تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ]
يمتن الله تعالى على عباده المؤمنين أنه فرض عليهم القصاص بالقتلى المساواة فيه على أن يقتل القاتل بالصفة التي قتل عليها المقتول إقاماَ للعدل والقسط بين العباد،
وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ)
لماذا ؟
مع أنه قد يكون القاتل والمقتول فقط
وذلك لإعانة ولي المقتول إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد أو يمنع الولي من الاقتصاص كما عليه عادة الجاهلية لأنهم كانوا يمنعون القصاص وهذا ليس من العدل وكذلك ليس من العدل أن يقتل الوالد بولده لأن ما في قلب الوالد من الشفقة والرحمة ما يمنعه من القتل لولده إلا بسبب اختلال في عقله أو أذية شديدة جدا من الولد له،
وخرج كذلك من العموم أيضا الكافر فلا يقتل المؤمن بكافر فليس من العدل أن يُقتل ولي الله بعدوه ،
(وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ)
ذكرا كان أو أنثى تساوت قيمتهما أو اختلفت دل مفهومها على أن الحر لا يقتل بالعبد لكونه غير مساوي له ،
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ )
يعني عفى ولي المقتول عن القاتل إلى الدية أو عفى بعض الأولياء فإنه يُسقط القصاص وتجب هُنا الديه،
ثم قال الله عز وجل :
(بِالْمَعْرُوفِ)
من غير أن يشق عليه ولا يحمله مالا يطيق بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه أي أن يتبع القاتل بالمعروف من غير أن يشق عليه ولا يحمله ما لا يطيق وهذا الذي له ،
وعلى القاتل هذا الذي عليه
(وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)
من غير مماطلة ولا نقص ولا إساءة فعلية ولا قولية فهل جزاء الاحسان إلا الإحسان، فهو جزاه بالعفو يفترض أن يجازى بالإحسان بحسن القضاء وهذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للإنسان مأمورُ من له الحق بالإتباع بالمعروف ومن عليه الحق بالأداء بإحسان،
( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ)
ترقيق وحث على العفو إلى الدّيه وأحسن من ذلك العفو مجاناَ بدون دية وهو أفضل شيء،
وفي قوله أخيه لم ينسى الله عز وجل الأخوة بأنه مهما حصل بينهم فهم أخوه
معناه أن المشاكل التي تصير بين الأخوة تعتبر صغيره
فهو أخوك أو أختك اذا صار بينكم موقف
الآن القتل ومع ذلك قال الله عز وجل قال :
( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ)
فذكر الله الأخوة هنا دليل على أن الأخوه لاتنسى في هذا الموقف الصعب دليل على أن القاتل لا يكفر
لأن المراد بالأخوة هنا أخوة الإيمان فلم يخرج القتل منها ومن باب أولى فإن سائر المعاصي التي هي دون الكفر لا يكفر بها فاعلها وإنما ينقص بها إيمانه
ونستنبط هنا أن الأخوة الإيمانية والإسلامية عظيمة لأنه لا يوجد شيء أبداَ يضعفها حتى القتل قال الله عز وجل فيه :
(أَخِيهِ)
(فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ )
أي بعد العفو
(فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
في الأخرة وأما قتله وعدمه فيأخذ مما تقدم لأنه قتل مخافئا له فيجب قتله بعد ذلك يعني من يقتل القاتل وهو قد عفي عنه هذا يقتل لأنه قد عفي عنه.
ثم يبين الله عز وجل حكمته العظيمة في مشروعية القصاص:
[ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة ]
أي تنحقن بذلك الدماء وتنقمع به الأشقياء لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل لا يكاد يصدر منه القتل ،
وإذا رئُي القاتل مقتولا أنذعر بذلك غيره وأنزجر فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل إنكفاف الشر، الذي يحصل بالقتل وهكذا سائر الحدود الشرعية فيها من النكاية والإنزجار ما يدل على حكمة الحكيم الغفار، ونكَّر كلمة
(حياة )
لإفادة التعظيم والتكثير.
ولما كان هذا الحكم لا يعرف حقيقته إلا أهل العقول الكاملة والألباب الثقيلة خصهم الله عز وجل بالخطاب :
( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ )
من الذي يفهم هذا الكلام ويعي هذا هم أولي الالباب
لأن بسطاء الناس تفكيرهم بسيط جدا يقولون كيف في القصاص حياة مستحيل هذا
لكن الله تعالى في الآية قال أنا أخاطب أهل العقول والألباب دون غيرهم وهذا يدل على أن الله تعالى يحب من عباده أن يعملوا أفكارهم وعقولهم ويتدبرون في كتابه ومافي أحكامه من حكم والمصالح الدالة على كماله وكمال حكمته وحمده وعدله ورحمته الواسعة سبحانه وتعالى ،
ثم قال تعالى :
( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
وذلك أن من عرف ربه وعرف ما في دينه وشرعه من الأسرار العظيمة والحكم البديعة والآيات الرفيعة أوجب له ذلك أن ينقاد لأمر الله
اليقين دائما يزيدك هدى وأن الهدى يزيد الأعمال الصالحة معناه لما تعرف أسرار الله حكم الله لما تعرف أسماء الله الحسنى
عندما تعرف دينك عندما تفهم دينك وتعقل هذا الدين العظيم يكون عندك تقوى أما الجاهل المغفل البسيط الساذج لا يمكن غالبا ما يكون تقي،
من الذي يستحق التقوى ؟
الذي يستحق التقوى هم أولو الألباب الذين يعملون عقولهم،
ثم قال الله تعالى:
[ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ]
أي: فرض الله عليكم يا معشر المؤمنين ،
( إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )
أي: أسبابه كالمرض المشرف على الهلاك وحضور أسباب المهالك،
( تَرَكَ خَيْرًا )
وهو المال الكثير عرفا فعليه أن يوصي لوالديه وأقرب الناس إليه بالمعروف على قدر حاله من غير إسراف ولا إقتصار على الأبعد دون الأقرب بل يرتبهم على القرب والحاجة،
وقوله: ( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )
دل على وجوب ذلك لأن الحق هو الثابت وقد جعله الله من موجبات التقوى
وأغلب جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية منسوخة لـ :
( كُتِبَ عَلَيْكُمْإِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )
بآية المواريث
وبعضهم يرى أنها في الوالدين والأقربين غير الوارثين مع أنه لم يدل على هذا التخصيص دليل
والأحسن في هذا أن يقال : أن هذه الوصية للوالدين والأقربين مجملة ردها الله تعالى إلى العرف الجاري،
ثم إن الله تعالى قدر للوالدين الوارثين وغيرهما من الأقارب الوارثين هذا المعروف في آيات المواريث بعد أن كان مُجملا وبقي الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الإرث وغيرهما ممن حجب بشخص أو وصف
فإن الإنسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم أحق الناس ببره، وهذا القول تتفق عليه الأمة ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين لأن كلا من القائلين بهما كل منهم لحظ ملحظا فبهذا الجمع يحصل الاتفاق والجمع بين الأيات
{لأنه مهما أمكن الجمع خذها قاعده ,
كان أحسن من إدعاء النسخ الذي لم يدل عليه دليل صحيح}
، ولما كان الموصي قد يمتنع من الوصية لما يتوهمه أن من بعده قد يبدل ما وصى به قال تعالى:
[ فَمَنْ بَدَّلَهُ ]
أي: الإيصاء
( بَعْدَمَا سَمِعَهُ )
أي بعدما عقله وعرف طرقه وتنفيذه، فإن أثمه على الذين يبدلونه فقط ليس عليك أيها الموصي وإلا فالموصي وقع أجره على الله وإنما الإثم على المبدل والمغير.
( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ )
يسمع سائر الأصوات ومنه سماعه لمقالة الموصي ووصيته فينبغي له أن يراقب من يسمعه ويراه وأنه لا يجور في وصيته،
( عَلِيمٌ )
بنيته وعليم بعمل الموصى إليه فإذا اجتهد الموصي وعِلم الله من نيته ذلك أثابه ولو أخطأ وفيه التحذير للموصَى إليه من التبديل فإن الله عليم به مطلع على فعله فليحذر من الله.
سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت استفغرك وأتوب إليك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق