بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الوجه
الثاني من سورة النِّساء
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
(لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا
تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا
مَّفْرُوضًا ) ( 7 )
أولًا:
الأمرُ بالتَّوريثِ، والرَّضخُ لحاضِرِي القسمةِ، منْ غيرِ الورثةِ.
قالَ
سعيدُ بنُ جبيرٍ، وقتادةُ:
كانَ
المُشرِكُون يجعلُون المالَ للرِّجالِ الكبارِ، ولا يورِّثُون النِّساءَ ولا
الأطفالَ شيئًا،
فأنزلَ
اللهُ:
(لِّلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ
نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )
وهذا
يدلُّ على شريعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أنَّها عادلةٌ كاملةٌ،
لم
تحابِي أحدًا، حتى أنَّها قدْ اهتمَّتْ بالضُّعفاءِ، ومنْهُم هذهِ المرأةِ،
فأينَ
منْ يتكلَّمُ عنْ شريعتِنا، أنَّها بخسَتْ هذهِ المرأةَ،
بلْ إنَّ
شريعتَنا - واللهِ - هي التي وقفَتْ معَ المرأةِ.
(لِّلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ
نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )
أي:
الجميعُ فيهِ سواءٌ، في حكمِ اللهِ تَعالَى، يستوُون في أصلِ الوراثةِ
وإن
تفاوتُوا بحسبِ ما فرضَ اللهُ تَعالَى لكلٍّ منْهُم، بما يُدلِي بهِ إلى الميِّتِ منْ
قرابةٍ، أو زوجيَّةٍ، أو ولاءٍ،
فإنَّهُ
- أي: الولاءُ- لُحمَةٌ كلُحمةِ النَّسبِ.
وقد روَى
ابنُ مردَويه، عنْ جابرٍ، قالَ:
جاءَتْ
أمُّ كجَّةَ، إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فقالَتْ:
يا
رسولَ اللهِ، إنَّ لي ابنتَين، وقد ماتَ أبوهُما، وليسَ لهُما شيءٌ،
فأنزلَ
اللهُ تَعالَى:
{
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ }
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ
أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ) (8 )
{
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ }
قيلَ:
المرادُ: وإذا حضرَ قسمةَ الميراثِ ذوُو القُربَى،
ممَّنْ
ليسَ بوارثٍ، واليتامَى والمساكِين، فليرضخْ لهُم منَ التَّركةِ نصيبٌ.
إذا
حضرَ أولئكَ المساكِين، وليسُوا منَ الورَثةِ، إلّا أنَّ الشَّارعَ لمْ ينسَهُم.
- اللهُ
أكبرُ!
روَى
البخاريُّ، عنْ ابنِ عباسَ:
{ وَإِذَا
حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ }
قالَ:
هي محكَمَةٌ، وليسَتْ بمنسوخةٍ.
وهي
واجبةٌ على أهلِ الميراثِ، ما طابَتْ بهِ أنفسُهُم.
وهذا
يعطينا دلالةً واضحةً، و إشارةً عظيمةً تربويَّةً إلى أنَّهُ
إذا كنْت
توزِّعُ شيئًا، وحضرَ أحدٌ، وليسَ لهُ نصيبٌ فيهِ،
فليُعطَى،
تطييبًا لنفسِهِ، وخاطرِهِ، كالخدمِ في المنزلِ مثلًا، أو غيرِهِم،
توزِّعُ
عليهِم أو غيرهِم، كما توزِّعُ على الأطفالِ،
وهذا
أصلٌ من أصولِ شريعتِنا الغرَّاءِ.
{
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ }:
أي
قسمةَ الميراثِ
{
أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ }:
والمعنى:
أنَّهُ إذا حضرَ هؤلاءِ الفقراءِ منَ القرابةِ،
الذين
لا يرثِون، واليتامَى والمساكِين قسمةَ مالٍ جزيلٍ،
فإنَّ
أنفسَهُم تتوقُ إلى شيءٍ منْهُ ، إذا رأَوا هذا يأخذُ، وهذا يأخذُ، وهذا يأخذُ،
وهم يائِسُون لا شيءَ يُعطَون،
فأمرَ
اللهُ تعالَى - وهو الرؤوفُ الرَّحيمُ - أنْ يرضخَ لهُم شيءٌ منَ الوسطِ،
يكونُ
برًّا بهِم، وصدقةً عليهِم ، وإحسانًا إليهِم ، وجبرًا لكسرِهِم .
{
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا }
ثانيًا:
العدلُ في الوصيَّةِ:
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ
تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا
اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) ( 9 )
قالَ ابنُ عباسٍ: هذا في الرَّجلِ
يحضرُهُ الموتُ، فيسمعُهُ الرَّجلُ يوصِي بوصيَّةٍ تضرُّ بورثتِهِ،
فأمرَ اللهُ تَعالَى الذي يسمعُهُ،
أنْ يتَّقِيَ اللهَ، ويوفِّقَهُ، ويسدِّدَهُ للصَّوابِ،
ولينظرْ لورثتِهِ، كما كانَ يحبُّ
أنْ يُصنَعَ بورثتِهِ، إذا خشيَ عليهِم الضَّيعةَ.
وقد استنبطَ العلماءُ منْ هذهِ
الآيةِ، أنَّهُ ينبغِي لنَا أنْ ندعوَ للهِ عزَّ وجلَّ، والتَّقوَى، والعملَ السَّديدَ،
فإنَّهُ- أي الدُّعاءُ،
والتَّقوَى، والعملُ السَّديدُ- بإذنِهِ سُبحانَهُ وتَعالَى، يحفظُ الذُّرِّيَّةَ
بعدَ الوفاةِ،
لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ:
{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ
تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ }:
فما العملُ ياربِّ؟
{ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ
وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }
وثبتَ في الصَّحيحين: أنَّ رسولَ
اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، لمّا دخلَ على سعدٍ بنِ أبي وقاصٍ، يعودُهُ،
قالَ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي ذو
مالٍ، ولا يرثُني إلّا ابنةٌ، أفأتصدَّقُ بثلثَي مالِي؟
قالَ: " لا ".
قالَ: فالشَّطرَ؟
قالَ: " لا ".
قالَ: فالثُّلثُ ؟
قالَ: " الثُّلثُ، والثُّلثُ
كثيرٌ".
ثمَّ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ:
" إنَّكَ إنْ تذَرْ ورثتَكَ
أغنياءَ خيرٌ منْ أنْ تذرْهُم عالةً يتكفَّفُون النَّاسَ " .
اللهُ أكبرُ!
ما هذه الشَّريعةُ العظيمةُ؟
فما بالُ أقوامٍ يجعلونَ أبناءَهُم
يحتاجون إلى أناسٍ آخرِين - حتى في حياتِهِم- !
فأشبِعْ أبناءَك قدرَ ما تستطيعُ،
ولا تجعلْهُم يلتفِتُون إلى غيرِك، لا تُحوِجْهُم إلى أحدٍ
وقد أمرَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ سعدًا بنَ الوقَّاصِ، بعدَ الوفاةِ، أنْ يلتفتَ إلى ابنتِهِ،
قائلًا لهُ: لا تجعلْها عالةً،
يتكفَّفُون النَّاسَ.
فكيفَ يجعلُ بعضُ الأحياءِ أبناءَهُم
عالةً، يتكفَّفون النَّاس ،
ثالثًا: الوعيدُ لمَنْ أكلَ مالَ
اليتيمِ:
وقيلَ: المرادُ بقولِهِ:
{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ
تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا
اللَّهَ }:
أي في مباشرةِ أموالِ اليتامَى
{ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا
وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا }
لذلك قالَ اللهُ تَعالَى:
( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) (10 )
{ إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا }:
هذا فيهِ تحذيرٌ شديدٌ، لمَنْ أكلَ
مالَ اليتامَى ظلمًا
أي: كما تحبُّ أنْ تُعامَلَ ذرِّيتُك
منْ بعدِك، فعامِلْ النَّاسَ في ذرِّيَّاتِهِم إذا وُلِّيتَهُم.
ثمَّ أعلمَهُم أنَّ منْ أكلَ مالَ
يتيمٍ ظلمًا، فإنَّما يأكلُ في بطنِهِ نارًا;
ولهذا قال :
{ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }:
أي: إذا أكلُوا أموالَ اليتامَى
بلا سببٍ، فإنَّما يأكلُون نارًا تُأجَّجُ في بطونِهُم يومَ القيامةِ.
وثبتَ في الصَّحيحينِ، عنْ أبي
هريرةَ، رضيَ اللهُ عنْهُ، قالَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ:
" اجتنبُوا السَّبعَ المُوبِقاتِ"
قيلَ: يا رسولَ اللهِ، وما هنَّ؟
قالَ: " الشِّركُ باللهِ،
والسِّحرُ، وقتلُ النَّفسِ التي حرَّمَ اللهُ إلّا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ
مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقذفُ المُحصَناتِ المُؤمناتِ الغافلاتِ".
هذه سبعٌ مُوبِقاتٌ مُهلِكاتٌ، تُهلكُ
صاحبَها
يقولُ
اللهُ تَعالَى:
( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً
فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ
إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا
تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) (11 )
رابعًا: الأمرُ بالمواريثِ، والحثُّ
على تعلُّمِها:
هذهِ الآيةُ الكريمةُ، والتي بعدها،
والآيةُ التي هي خاتمةُ هذهِ السُّورةِ،
هنَّ آياتُ علمِ الفرائضِ،
إذًا كلُّ علمِ الفرائضِ يستندُ
إلى ثلاثِ آياتٍ، وهنَّ:
( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً
فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا
تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً
مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا )
والآيةُ التي بعدها:
( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ
أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ
دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ
فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً
أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ
فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ) :
والآيةُ الثَّالثةُ، هي آخرُ آيةٍ
منْ سورةِ النِّساءِ:
(
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ
هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ
يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن
تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
)
وهذا العلمُ مستنبَطٌ منْ هذهِ
الآياتِ الثَّلاثِ، ومنَ الأحاديثِ الواردةِ في ذلكَ.
وقدْ وردَ التَّرغيبُ في تعلُّمِ
علمِ الفرائضِ.
إنَّما سمِّيَ الفرائضُ نصفَ العلمِ;
لأنَّهُ يُبتلَى بهِ النَّاسُ كلُّهُم.
ما سببُ نزولِ هذهِ الآيةِ؟
روَى البخاريُّ عندَ تفسيرِ هذهِ
الآيةِ: عن جابرٍ بنِ عبدِ اللهِ، قالَ:
عادَنِي رسولُ الله صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ، وأبو بكرٍ في بنِي سلمةَ، فوجدَنِي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ، لا أعقلُ شيئًا،
فدعَا بماءٍ فتوضَّأَ منْهُ، ثمَّ
رشَّ عليَّ، فأفقْتُ،
فقلْتُ: ما تأمرُنِي أنْ أصنعَ في
مالِي يا رسولَ اللهِ؟
فنزلَتْ:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ }
رواهُ مسلمُ والنسائيُّ، والبخاريُّ
كذلكَ.
حديثٌ آخرُ عنْ جابرٍ، ذُكِرَ في
سببِ نزولِ الآيةِ، وهو الأقربُ:
قالَ الإمامُ أحمدُ، عنْ جابرٍ،
قالَ:
جاءَتْ امرأةُ سعدٍ بنِ الرَّبيعِ،
إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ،
فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ، هاتَان
ابنتَا سعدٍ بنِ الرَّبيعِ، قُتِلَ أبوهُما معَك في أحدٍ شهيدًا،
وإنَّ عمَّهُما أخذَ مالَهُما، فلمْ
يدَعُ لهُما مالًا، ولا يُنكَحان إلا ولهُما مالٌ.
قالَ: فقالَ: " يقضِي اللهُ
في ذلكَ".
- أي: لم ينزلْ الشَّرعُ في ذلك -
قالَ: فنزلَتْ آيةُ الميراثِ،
فأرسلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ، إلى عمِّهِما،
فقالَ: " أعطِ ابنتَي سعدٍ
الثُّلثَين، وأمَّهَما الثُّمنَ، وما بقيَ فهوَ لكَ".
وقدْ رواهُ أبو داودَ والتِّرمذيُّ
وابنُ ماجَه.
فالحديثانِ كلاهُما، لجابرٍ،
والظَّاهرُ أنَّ حديثَ جابرٍ الأوَّلَ
- عندما كان مريضًا وعادَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ. .-
إنَّما نزلَتْ بسببِهِ الآيةُ
الأخيرةُ منْ سورةِ النِّساءِ، آيةُ الكَلالةِ، كما سيأتِي.
بينما نزلَتْ هذهِ الآيةُ، في
ابنتَي سعدٍ.
خامسًا: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ:
فقولُهُ تَعالَى:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ }:
أي: يأمرُكُم بالعدلِ فيهِم،
فإنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانوا يجعلُون
جميعَ الميراثِ للذُّكورِ، دونَ الإناثِ،
فأمرَ اللهُ تَعالَى، بالتَّسويةِ
بينَهُم في أصلِ الميراثِ،
وفاوتَ بينَ الصِّنفَين ، فجعلَ
للذَّكرِ مثلَ حظِّ الأنثَيَينِ;
وذلكَ لاحتياجِ الرَّجلِ إلى مؤنةِ
النَّفقةِ، والكلفةِ، ومعاناةِ التِّجارةِ، والتَّكسُّبِ، وتجشُّمِ المشقَّةِ،
فناسبَ أنْ يُعطَى ضعفَي ما تأخذُهُ
الأنثَى.
وقد استنبطَ بعضُ العلماءِ، منْ
قولِهِ تَعالَى:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ }:
أنَّهُ تَعالَى أرحمُ بخلقِهِ منَ
الوالدِ بولدِهِ،
حيثُ أوصَى الوالدَين بأولادِهِم، ووزَّعَ
الميراثَ، ووزَّعَ على الفقراءِ والمساكينَ، الذين يحضُرُون القسمةَ،....
فعُلِمَ أنَّهُ أرحمُ بهِم منْهُم،
كما جاءَ في الحديثِ الصَّحيحِ.
وهذا يدلُّ على رحمتِهِ سُبحانَهُ
جلَّ وعَلا.
وتذكرون قصَّةَ المرأةِ التي
فقدَتْ ابنَها في السَّبِي، في سورةِ البقرةِ،
حيث رأَى امرأةً منَ السَّبيِ تدورُ
على ولدِها، فلمَّا وجدتْهُ أخذتْهُ، فألصقَتْهُ بصدرِها، وأرضعَتْهُ.
فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ، لأصحابِهِ:
" أترَوْنَ هذهِ طارحةً ولدَها
في النَّارِ، وهيَ تقدرُ على ذلكَ؟"
قالوا: لا يا رسولَ اللهِ،
قالَ: " فواللهِ، للهُ أرحمُ
بعبادِهِ منْ هذهِ بولدِها".
اللهُ رحيمٌ غفورٌ - سُبحانَهُ
جلَّ وعَلا!
وروَى البخاريُّ، عنْ ابنِ عباسِ،
قالَ:
كانَ المالُ للولدِ، وكانَتِ الوصيَّةُ
للوالدَين،
فنسخَ اللهُ منْ ذلكَ ما أحبَّ،
فجعلَ للذَّكرِ مثلَ حظِّ الأنثَيَينِ،
وجعلَ للأبَوَينِ لكلِّ واحدٍ منْهُما
السُّدسَ والثُّلثَ،
وجعلَ للزَّوجةِ الثُّمنَ والرُّبعَ،
وللزَّوجِ الشَّطرَ والرُّبعَ.
سادسًا: ميراثُ البناتِ، إذا انفردْنَ:
قولُهُ تَعالَى:
{ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ
ثُلُثَا مَا تَرَكَۚ }:
قالَ بعضُ النَّاسِ، قولُهُ :
{ فَوْقَ }:
زائدةٌ، وما إلى ذلكَ.
فإنَّهُ ليسَ في كلامِ اللهِ عزَّ
وجلَّ شيءٌ زائدٌ،
فما معنَى قولِهِ تَعالَى؟
{ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ
ثُلُثَا مَا تَرَكَۚ }:
(فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۚ)
إنَّما استُفيدَ كونُ الثُّلثَين
للبنتَين، منْ حكمِ الأختَينِ في الآيةِ الأخيرةِ،
فإنَّهُ تَعالَى حكمَ فيها للأختَينِ
بالثُّلثَين.
وإذا ورثَ الأختانِ الثُّلثَين، فلئِن
يرثُ البنتانِ الثُّلثَين بطريقِ الأَوْلَى.
وقدْ تقدَّمَ في حديثِ جابرٍ، أنَّ
رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، حكمَ لابنتَي سعدٍ بنِ الرَّبيعِ بالثُّلثَينِ،
فدلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ على ذلكَ،
وأيضًا، فإنَّهُ قالَ:
{ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ }:
فلو كانَ للبنتَين النِّصفُ، لنصَّ
عليهِ أيضًا،
فلمَّا حكمَ بهِ للواحدةِ على
انفرادِها، دلَّ على أنَّ البنتَين في حكمِ الثَّلاثِ، واللهُ أعلمُ.
سابعًا: ميراثُ الوالدَين:
{ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ }:
الأبَوانِ لهُما في الميراثِ أحوالٌ:
- أحدُها: أنْ يجتمعَا معَ الأولادِ،
فيُفرضُ لكلِّ واحدٍ منْهُما السُّدسُ
{ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ}:
فإنْ لمْ يكُنْ للميِّتِ إلا بنتٌ
واحدةٌ، فُرِضَ لها النِّصفُ،
{ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ }:
وللأبَوينِ لكلِّ واحدٍ منْهُما
السُّدسُ،
{ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ}:
وأخذُ الأبِ السُّدسَ الآخرَ، بالتَّعصيبِ،
وليسِ الفرضُ،
فيُجمَعُ لهُ - والحالةُ هذهِ -
بينَ هذهِ الفرضِ، والتَّعصيبِ.
- الحالُ الثَّاني: أنْ ينفردَ
الأبَوان بالميراثِ، فيُفرَضُ للأمِّ - والحالةُ هذهِ - الثُّلثُ،
ويأخذُ الأبُ الباقيَ، بالتَّعصيبِ
المحضِ،
{ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ }:
ويكونُ قدْ أخذَ ضعفَي ما فُرِضَ
للأمِّ، وهو الثُّلثانِ،
فلو كانَ معَهما - والحالةُ هذهِ -
زوجٌ أو زوجةٌ، أخذَ الزَّوجُ النِّصفَ، والزَّوجةُ الرُّبعَ.
ثمَّ تأخذُ الأمُّ بعدَ فرضِ الزَّوجِ
والزَّوجةِ،
حيثُ أنَّها تأخذُ ثلثَ الباقِي في
المسألتَين;
لأنَّ الباقيَ كأنَّهُ جميعُ
الميراثِ بالنِّسبةِ إليهِما.
وقدْ جعلَ اللهُ لها نصفَ ما جعلَ
للأبِ،
فتأخذَ ثلثَ الباقيَ، ويأخذُ الابُ
ثلثَيهِ.
- والحالُ الثَّالثُ، منْ أحوالِ
الأبَوَين: وهو اجتماعُهُما مع الإخوةِ،
وسواءً كانُوا منَ الأبَوَين، أو
منَ الأبِ، أو منَ الأمِّ،
فإنَّهُم لا يرثُون معَ الأبِ شيئًا،
ولكنَّهُم مع ذلكَ يحجبُون الأمَّ
عن الثُّلثِ إلى السُّدسِ،
فيُفرَضُ لها معَ وجودِهُم السُّدسُ،
فإنْ لم يكنْ وارثٌ سواها، وسوَى
الأبِ، أخذَ الأبُ الباقيَ.
وحكْمُ الأخوَينِ فيما ذكرنَاهُ
كحكمِ الإخوةِ، عندَ الجمهورِ.
أي: الإثنينِ، مثلُ المجموعةِ.
قالَ اللهُ تَعالَى:
{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ }:
أضرُّوا بالأمِّ، ولا يرثُون،
ولا يحجبُها الأخُ الواحدُ منَ الثُّلثِ،
ويحجبُها ما فوق ذلكَ،
وكانَ أهلُ العلمِ يرَون أنَّهُم
إنَّما حجبُوا أمَّهُم منَ الثُّلثِ،
أنَّ أباهُم يلِي إنكاحَهُم، ونفقتُهُ
عليهِم، دونَ أمِّهِم.
فما معنَى التَّعصيبِ؟
أي الذينَ يرثُون دونَ تقديرٍ.
وعصبةُ الرَّجلِ بنُوهُ، وقرابتُهُ
منْ جهةِ أبيهِ، يأخذُون ما تبقَّى منْ أصحابِ الفروضِ، بعدَ أخذِ فروضِهِم.
أي إذا أخذَ أهلُ الفروضِ حقوقَهُم،
يبدأُ أهلُ التَّعصيبِ.
وإذا لم يبقَ شيءٌ بعدَ أصحابِ
الفروضِ سقطَ، ولم يستحقّ أصحابُ العصبةِ شيءٌ،
كما أنَّهُم على العكسِ، يأخذُون
كلَّ المالِ، إذا انفردَ، ولم يكنْ للميِّتِ وارثٌ بالفرضِ.
إذًا الإرثُ إمَّا أنْ يكونَ
بالفرضِ، أو بالتَّعصيبِ
ثامنًا: تقدُّمُ الدَّينِ، ثمَّ
الوصيَّةُ:
لماذا تقدَّمَ الدَّينُ ثمَّ الوصيَّةُ
- سبحانَ اللهِ ؟
كما في قولُهُ:
{ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ }:
أجمعَ العلماءُ سلفًا وخلفًا: أنَّ
الدَّينَ مُقدَّمٌ على الوصيَّةِ،
وذلكَ عندَ إمعانِ النَّظرِ، يُفهَمُ
من فحوَى الآيةِ الكريمةِ.
قُدِّمَتْ الوصيَّةُ على الدَّينِ،
لأنَّهُ - سبحانَ اللهِ- قدْ لا يُلتَفتُ إلى الوصيَّةِ أحيانًا
فأهلُ الميِّتِ يسألُون مباشرةً عن
الدَّينِ، ويسدِّدُونَهُ، وقدْ لا يلتفتُون إلى الوصيَّةِ.
لذلكَ بدأَ اللهُ عزَّ وجلَّ،
بالوصيَّةِ قبلَ الدَّينِ،
مع أنَّ الأصلَ، أنَّ الدَّينَ قبلُ
الوصيَّةِ.
وقولُهُ:
{ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ
أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }:
أي: إنَّما فرضْنا للآباءِ
وللأبناءِ، وساوَيْنا بينَ الكلِّ في أصلِ الميراثِ،
على خلافِ ما كانَ عليهِ الأمرُ في
الجاهليَّةِ،
وعلى خلافِ ما كانَ عليهِ الأمرُ
في ابتداءِ الإسلامِ،
من كونِ المالِ للولدِ، وللوالدَين
الوصيَّةُ، كما تقدَّمَ عنْ ابنِ عباسٍ.
إنَّما نسخَ اللهُ ذلكَ إلى هذا،
ففرضَ لهؤلاءِ ولهؤلاءِ، بحسبِهِم;
لأنَّ الإنسانَ قدْ يأتيهُ النَّفعُ
الدُّنيَويُّ، أو الأُخرَويُّ، أو هما،
منْ أبيهِ ما لا يأتِيهِ منْ ابنِهِ،
وقدْ يكونُ بالعكسِ.
فلهذا قالَ:
{ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ
أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }:
أي: كأنَّ النَّفعَ مُتوقَّعٌ ومَرجُوٌّ
منْ هذا، كما هوَ مُتوقَّعٌ ومَرجُوٌّ منَ الآخرِ;
فلهذا فرضْنا لهذا ولهذا، وساوَيْنا
بينَ القِسمَين في أصلِ الميراثِ،
واللهُ أعلمُ.
وقولُهُ:
{ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ }:
أي: من هذا الذي ذكرناهُ منْ تفصيلِ
الميراثِ، وإعطاءِ بعضَ الورثةِ أكثرَ منْ بعضٍ -
هو فرضٌ منَ اللهِ، حكمَ بهِ
سُبحانَهُ جلَّ وعَلا، وقضاهُ،
ونحنُ
نعلمُ أنَّ اللهَ لا يحكمُ بأمرٍ، إلا وهو - سُبحانَهُ جلَّ وعَلا- أعلمُ بهِ،
واللهُ عليمٌ حكيمٌ يضعُ الأشياءَ
في محالِها، ويعطِي كلًّا ما يستحقُّهُ بحسبِهِ;
ولذا
ختمَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى الآيةَ بقولِهِ:
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }:
اللَّهُمَ
انفعنا بما علَّمْتَنا، وزدْنا علمًا!
سبحانَكَ
اللهُمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ.
اللهُمَّ
اجعلْ هذا الاجتماعَ اجتماعاً مرحوماً، واجعلْ تفرُّقَنا منْ بعدِهِ تفرّقًا
معصوماً، ولا تجعلْ معَنا شقيَّاً ولا محروماً.
وصلِّ
اللهُمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيّنا مُحمَّد وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعِين.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق